جان إيف أولييه : لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين حدود الرفض العربي

لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين حدود الرفض العربي

جان إيف أولييه

12455

يؤرخ الباحث الغربي ((جان إيف أوليه)) في هذا الكتاب لمرحلة ما بين أواخر العام 1948 إلى نهاية العام 1951. وفرت إدارة المحفوظات الأميركية والإسرائيلية مجموعة كبيرة من وثائقها, اعتمد عليها بشكل أساسي في بحثه ولعل المرحلة المذكورة تكون إحدى أشد المراحل حساسية في تاريخ القضية الفلسطينية, مرحلة ما بعد النكبة والفترة المنشطة التي عاشتها لجنة التوفيق بشأن فلسطين.

يقع الكتاب في ثلاثة أبواب تتناول ولادة لجنة التوفيق وفترة نشاطتها ومنجزاتها.

الضعف التكويني للجنة:

تشكلت لجنة التوفيق بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 بتاريخ 11\12\1948 , يفتح المؤلف الباب الأول بالإشارة إلى اختلاف التفويض الممنوح لها, عن ذلك الذي طلبه الوسيط الدولي(( فولك برنادوت)) أي لجنة مستقلة (غير حكومية).

لبناء تسوية سلمية,عادلة , وشاملة للوضع في فلسطين, أما اللجنة التي كونت فلم تأخذ تفويضا دقيقا سوى في مسألتين:

1- تقديم مقترحات مفصلة بشأن نظام دولي للقدس يؤمن الحد الأقصى من الحكم الذاتي لكلا الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي.

2- السماح بعودة اللاجئين الفلسطينيين الراغبين بالعودة إلى ديارهم, ودفع التعويضات اللازمة وتسهيل عودتهم وإعادة تأهيلهم اجتماعيا واقتصاديا.

ثم يشير المؤلف إلى سلطة اللجنة المرنة, فمصطلح التوفيق بحد ذاته مصطلح مرن وقابل للشد والجذب والمرونة تكون مفيدة في بعض المشاكل والقضايا, لكن مع المرحلة التي وصل إليها النزاع العربي ـ الإسرائيلي, لن تؤدي المرونة إلا إلى تعميق المشكلة وترك المجال أمام الأطراف المتنازعة للتنصل من الاستحقاقات المترتبة عليها.

يعود الكاتب ليتساءل عن المثلث الذي تشكلت اللجنة عبره(فرنسا- تركيا- الولايات المتحدة الأميركية) والصفة الحكومية التي وصمت اللجنة.

فهل هذا التشكيل عامل ضعف ؟ أم عامل قوة لها؟!....

ويستعرض لكلتا الحالتين فهو عامل ضعف, إذ أن عمل اللجنة سيختلط مع المصالح القومية والعرقية والسياسية للدول المكونة لها.

وعامل قوة لأن التشكيل الحكومي سيتيح ممارسة ضغوط سياسية أكثر فاعلية على أطراف النزاع.

ويستعرض مواقف كل من هذه الدول, فالموقف الفرنسي تميز بالتردد والاعتدال. أما تركيا التي يفترض ميلها للعرب, فتميز موقفها بالتوراي والتستر والاعتماد على الممثل الأميركي, نظرا للتقارب الحاصل بينها وبين الولايات المتحدة الأميركية التي أدخلت تركيا في مشروع مارشال المعروف .

أدى هذا كله إلى تسلم الجانب الأميركي لزمام الأمور وتفرده بعمل اللجنة, ويشير الكاتب إلى الضغوط التي مورست من قبل مؤسسة الرئاسة الأميركية وتدخلاتها في عمل اللجنة, ما أدى إلى خلاف بين الرئاسة والخارجية, كما أدى إلى كثرة الشخصيات التي تعاقبت على تمثيل الجانب الأميركي.

يبدأ المؤلف باستعراض نشاطات اللجنة التي استهلتها بزيارات لدول مصر, السعودية, الأردن, سوريا, العراق ولبنان وقد تركزت وجهات نظر البلدان المضيفة باستثناء الأردن على مسألة إعادة من يرغب من اللاجئين إلى دياره والنظام الدولي الخاص بالقدس , أما الأردن فكان موقفه: الرغبة باستقبال أي عدد من اللاجئين بدون أي شروط وضم أكبر جزء ممكن من أرض فلسطين.

لكن ما لبثت المواقف العربية بأن تضعف تجاه بعض القضايا, حيث اتفقت الوفود العربية في 21\3\1949 على ضرورة إيلاء مسألة اللاجئين الأولوية المطلقة (وليس الإعادة الفورية لمن يرغب), وضرورة قبول إسرائيل بالقرار 194 حول عودة اللاجئين قبل الشروع في أية مفاوضات.

وقابلت إسرائيل هذه الدعاوى العربية برفض قاطع, مما أدخل اللجنة في حلقة مفرغة. فتقدمت باقتراح إرسال وفود إلى مدينة محايدة لتبادل وجهات النظرـ بصورة منفصلة ـ مع اللجنة, واختيرت مدينة لوزان لهذا الغرض.

مؤتمر لوزان ((الاختبار الضائع للتوفيق)):

يرى((أولييه)) أن صيغة مؤتمر لوزان بحد ذاتها كانت متساهلة , فهي لم تنص بشكل واضح وصريح على ضرورة الوصول لتسوية نهائية.

مما عطل أو ساهم في تعطيل فاعلية المؤتمر قبل انعقاده , وكانت معطيات الأمر الواقع ألقت بظلالها الثقيلة طيلة مناقشات لوزان. وما أن بدأت أعمال المؤتمر حتى بدأ الجانب العربي بتقديم التنازلات, فبمجرد القبول بتوقيع بروتوكول لوزان, رضي العرب ضمنا بمناقشة مشكلة اللاجئين ضمن إطار مفاوضات السلام العامة.

بالإضافة إلى تساهلات قدمت من قبل بعض المسؤولين العرب في أحاديث غير رسمية كموقف حسني الزعيم في سوريا ونوري السعيد في العراق, فقد أدلوا بتصريحات غير رسمية حول قبول توطين عدد من اللاجئين مع إمكان إعادة عدد محدود, وذلك مرتبط بإقامة ((السلام الشامل)) وملخص الموقف الإسرائيلي: التعاطي بسلبية قدر الامكان مع قضية اللاجئين نحو تثبيط همم اللاجئين أنفسهم بالعودة.

وتحت الضغوط الأميركية المتواصلة ظهرت مبادرة التفافية جديدة من الجانب الإسرائيلي وهي اقتراح إعادة 100 ألف لاجئ, ولم تكن هذه المبادرة (في حقيقة الأمر) سوى محاولة لكسب الوقت وكانت إسرائيل نفسها, تحاول تعطيلها بشتى الوسائل والشروط التعجيزية.

أما بروتوكول لوزان كان بمجمله مقدمة لخلافات أعمق بين العرب والإسرائيليين, بسبب عدم وضوحه, وتتالي قرارات مجلس الأمن غير الواضحة والمعقدة بالإضافة إلى عدم وجود جهة جدية تتمتع بقدر من القوة وترغب في فرض قرارات الأمم المتحدة.

على ضوء ذلك حاولت إسرائيل جر العرب إلى مفاوضات منفصلة عبر اتصالها برئيس الوفد الأردني<<فوزي الملقي>> الذي كان مطلبه الرئيسي: اعتراف الإسرائيليين بضم وسط فلسطين للأردن, كما جرت محاولات لجر المصريين لتفاهمات سرية أيضا ولكن جميعها باءت بالفشل, نظرا لعدم اهتمام إسرائيل بمطالب الأردن, ورفضها جعل النقب منطقة فلسطينية (حسب المطلب المصري), استمرت إسرائيل بسياسة اللعب وتعطيل وتأخير النصوص الدولية, كما استمرت بخلق حالات((الأمر الواقع)) , التي تتعارض و المطالب الدولية, فإسرائيل تحتل مناطق واسعة من فلسطين وهذا أمر واقع, واللاجئين تركوا ديارهم وممتلكاتهم وهذا أمر واقع آخر وقد تابعت إسرائيل زحفها باتجاه النقب وكانت قد وصل للبحر الأحمر في آذار 1949, كما تمكنت من الاستمرار في طرد المزيد من العرب مع الاستمرار في استقبال المزيد من دفعات اليهود الوافدين من أوروبا, وكان كلما ازدادت إسرائيل في خلق حالات الأمر الواقع, كلما ازداد حذرها من الأمم المتحدة ومعاداتها للجنة التوفيق والمطالب الدولية.

زوال اللجنة وانتصار حلول الأمر الواقع:

بدأ المؤلف الباب الثالث من كتابه بتناول موضوع النظام الدولي الخاص بالقدس, والذي اصطدم بالوضع القاتم على الأرض (تمسك الأردن بالحفاظ على الجهة الشرقية ورفض إسرائيل التخلي عن سيطرتها على الجهة الغربية), وهنا قامت لجنة خاصة بالقدس, تتمتع بصلاحية لتطبيق النظام الدولي الخاص بالمدينة فقدمت مشروعا خاصا ينص على: تقسيم القدس لمنطقتين (عربية) و (اليهودية) وتكون للسلطات المحلية الصلاحية فيها, أما المسائل ذات الطابع الدولي فتترك للمفوض الأمم المتحدة. كما نص الاقتراح على إنشاء مجلس عام بمثلين عرب ويهود, تكون مهمته تنسيق المرافق ذات النفع المشترك لشطري المدينة, وقوبل هذا المقترح برفض آخر من الأردن وإسرائيل, كما قوبل بالرفض في الجمعية العامة للأمم المتحدة من فرنسا( التي ساهم ممثلوها في لجنة التوفيق بصياغة المتقرح), ورفض من قبل الفاتيكان فوقفت اللجنة عاجزة أمام موضوع القدس أيضا.

أما في مجال قضية اللاجئين, فسجل النظام الرسمي العربي تنازلا جديا مهما, إذ أعلن في 29\1\1949 عن وثيقة تمثل رداً على لجنة الدرس الاقتصادية التي شكلت لإيجاد حل اقتصادي لأزمة اللاجئين, وهذه الوثيقة تمثل قبول سوريا والأردن استقبال اللاجئين شريطة تقديم معونات مادية دولية لهم. كان هذه المرة الأولى التي تشهد إعلانا كهذا دون أي ضمانة إسرائيلية.

ويذكر أن الإنجاز الملموس, الوحيد الذي حققته لجنة الدرس الاقتصادية كان إنشاء وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين, وهذا يتماشى مع الرفض الإسرائيلي القاطع لإعادة اللاجئين, وبهذا بدأ تناول مشكلة اللاجئين ينعطف نحو الإبقاء عليهم في منافي ((أمر واقع)).

وبالنسبة لقضية المفاوضات, استمر الرفض العربي لمفاوضات ((مباشرة)) مع الطرف : الإسرائيلي في حين تمسكت إسرائيل بمبدأ المفاوضات المباشرة, وظل الخلاف عالقا حول شكل المفاوضات, فقامت اللجنة في آذار 1950 باقتراح مشروع لجان مختلطة من الجانبين للتفاهم حول شكل المفاوضات وباء مشرع هذه اللجان بالفشل أيضا.

دخلت اللجنة في حالة سبات حتى مطلع العام 1951 حيث قرر ((جميس باركو)), عضوا الوفد الأميركي العمل في اتجاه مجهود دبلوماسي جديدة, فتمت الدعوة لمؤتمر جديد في باريس, لكن قوبل بتحفظات إسرائيلية أهمها: جعل المؤتمر نهائيا لتسوية النزاع. ودعيت الوفود إلى باريس وافتتح المؤتمر بخمس نقاط رئيسية وهي:

*إلغاء متبادل للمطالب المتعلقة بأضرار الحرب.

*ضرورة قبول إسرائيل بوجوب دفع مبلغ مالي كتعويض للاجئين غير العائدين.

*الوقف المتبادل لإجراءات تجميد الحسابات المصرفية.

*ضرورة قبول إسرائيل بعودة عدد محدد من اللاجئين .

*إمكان مراجعة اتفاقية الهدنة.

وتباينت المواقف مرة أخرى حول النقاط الخمس, إذ رفض العرب النقطة المتعلقة بأضرار الحرب, كما رفض الإسرائيليون النقطة المتعلقة باللاجئين وتحفظوا على نقطة التعويض.

وأمام هذه الرفض المتكرر, طالبت اللجنة الخارجية الأميركية بممارسة ضغوط على أطراف النزاع. وقررت إرجاء المؤتمر إلى تشرين الثاني 1951, وبعد فشل الجولة الثانية, وعلى أساس ما سبق من معطيات.

وصلت اللجنة إلى تقرير عجزها مواصلة مهمتها وكان ذلك في كانون الثاني من عام 1952. وكانت إسرائيل ميالة إلى ذلك, في حين بقي العرب الطرف الوحيد المتمسك باللجنة والإبقاء عليها في وضعها النشط.

يخلص الباحث في نهاية الكتاب, إلى أن عدم جدية القوى الدولية في حل النزاع, وتصلب المواقف الإسرائيلية, في مقابل تمسك العرب بإجراءات شكلية, وانحياز الطرف الأميركي لإسرائيل, كانت الأسباب في فشل إيجاد تسوية دائمة للنزاع, كما يرى أن سلاح الأمر الواقع الذي استعملته إسرائيل لربما ينقلب عليها يوما ما.

يعد الكتاب أحد أهم المراجع التي تحدثت عن لجنة التوفيق, فهو يبرز الدور الذي قامت به اللجنة في مختلف مراحل عملها, كما يبين هزالة و تذبذب الموقف الرسمي العربي (المستعد دوما لتقديم التنازلات) في مقابل تمسكه بإجراءات شكلية, كما يظهر هبوط سقف المطالب العربية مع تقادم المشكلة وزيادة الضغوط وحالات الأمر الواقع.في حين ازدياد التعنت الإسرائيلي مع الزمن تجاه مختلف القضايا وخاصة قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين, أي تنفيذ الفقرة 11 من قرار الجمعية العامة 194, وهذا ما يدلل أيضا على الأهمية الكبرى لهذه القضية العادلة.

بطاقة:

الكتاب: لجنة الأمم المتحدة للتوفيق بشأن فلسطين حدود الرفض العربي .

المؤلف: جان إيف أولييه.

المترجم: نصير مروة .

الناشر: مؤسسة الدراسات الفلسطينية (بيروت) ط: 1\1991 .

ملاحظة: الكتاب في الأساس دراسة قدمها المؤلف لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ في 195 صفحة من القطع الوسط.

اسمك *

البريد الالكتروني *

العنوان

المعلومات المرسلة *

أدخل الكود*