English
  ****   عدوان واسع على مخيم جنين: 9شهداء وعشرات الإصابات بينها خطيرة   ****   لبنان. الأونروا تعلن البدء بتوزيع مساعداتها الدورية لفلسطينيي سوريا   ****   اتحاد حق يُشيّع ويؤبّن الرفيق المناضل عوض عبدالله في مخيّم نهر البارد.   ****   عدوان واسع على مخيم جنين: 4 شهداء وإصابات بينها خطيرة   ****   اعتقالات ومداهمات الاحتلال تطال مخيمي الدهيشة والأمعري   ****   التحالف الشعبي للتغيير يؤكد تضامنه الكامل مع حراك موظفي "أونروا"   ****   أسيران من مخيم الدهيشة تعرضا للتعذيب أثناء الاعتقال   ****   استشهاد طفل فلسطيني برصاص قوات الاحتلال بمخيم شعفاط بالقدس   ****   شهيد خلال اشتباكات مع جيش الاحتلال في مخيم جنين   ****   استشهاد شاب من مخيم جنين برصاص جيش الاحتلال   ****   لازاريني : يجب الا يكون التقارب العربي مع اسرائيل سبباً في قطع المساعدات عن الاونروا   ****   مسؤول "دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية" في تعليق على اعلان نداءات الطوارئ فتحي كليب: الأرقام تعكس الحد الادنى من الاحتياجات، وندعو لدعم يستجيب للحاجات الانسانية   ****   السكرتاريا العامة لـ (أشد) تلتقي نائب الامين العام للجبهة الديمقراطية   ****   اعتقال شاب وإصابة 3 بالرصاص خلال مواجهات بمخيم نور شمس   ****   لقاء مشترك بين السكرتاريا العامة لـ "أشـد" واتحاد الشبيبة الشيوعية السورية واتفاق على تعزيز التعاون والعمل الشبابي المشترك .   ****   هيئة حقوقية تدعو "أونروا" لحل فوري للأزمة مع اتحاد الموظفين   ****   الاحتلال يقتحم مخيم شعفاط بأعداد كبيرة لهدم منزل الشهيد عدي التميمي   ****   "أونروا" تناشد للحصول على 1,6 مليار دولار من أجل الخدمات الأساسية   ****   الاحتلال يقتحم مخيم شعفاط ويعتقل شاباً من سلوان   ****   اعتقالات الاحتلال بالضفة تطال مخيمي جنين والدهيشة

الأمثال الشعبية في فلسطين

2007-11-01
مجموعة من الكتاب
19669
الجاليات الفلسطينية

أهمية الأمثال الدارجة في فلسطين

توطئة:

بعد أن خبرت المثل من خلال تعريفاته وسماته ونشأته ومصدره ولغته وتدوينه يجدر بك أن تتعرف على أهميته في مختلف جوانب الحياة متأثرا بها ومؤثرا فيها بمقادير متفاوتة. وتحضها على البر وتمنعها من الإثم أو تدافع عنها شائبة أو تمنع عنها نقيصة, بما تقدم لها من بالغ الكلام وبارع الحكم وجميل الإرشاد وجليل التوجيه فهي مزيج من نصح وأمشاج من هداية ومقادير من أدوية تقدم لكل نفس بمعيار ومقدار. وذل بما تزحر به من علم وخبرة وحقائق بعيدة البعد كله عن الوهم والخيال. يبد أنه لا تخلو من همز ولمز وغمز, وهي (تأتي في ختام الحالة لتؤكدها أو تنفيها أو تبدي رأيا أو تحل أشكالا أو غير ذلك سلبا أو إيجابا فمقامها في الكلام مسك الختام, فهي كالحجر الأخير في بنيان الحديث بواسطته يغلق المتكلم مدماك الحديث) ولذلك اعتبرت من الناحية الموضوعية:

1ـ  شاهد عدل:

فهي شاهد عدل على حالة اللغة الدارجة في فلسطين فمن خلال الجزئيات الصغيرة التي تعرضها في تواضع وهدوء فيما يتعلق بالنشاط والسلوك والأخلاق تعطي صورة حية لطبيعة تلك اللغة, وهي صورة صادقة كل الصدق, لأنها تصدر عن فطرة وطبيعة غير خادعة توضح بجلاء طبيعة اللهجات المتعددة في فلسطين ومقدار قربها أو بعدها عن الفصحى وما يعتري الألفاظ من تغيير وتبديل من بيئته إلى أخرى ومن تجمع سكاني إلى آخر, كما توضح دلالات ومعاني الألفاظ كذلك. فهي ولا شك لقطات سريعة من التعابير الموجزة في ألفاظها الحسنة وفي تشابهها المصيبة في معانيها مع جودة كناياتها لذلك كله يمكن أن تكون خير شاهد عند جمع معجم الألفاظ الدارجة في فلسطين. فالكلمة الحلوة والصورة المشرقة والعاطفة الصادقة هي الجسر الذي يربط الماضي بالحاضر ويعد العدة للمستقبل.

2ـ أدب مستور:  

كما أنها تمثل لونا من ألوان الفن الأدبي الشعبي الذي ظل بعيدا عن سيطرة الحاكم وسطوته بل أنه يحس به ولا يستطيع أن يفعل معه شيئا لما فيه من بعد عن المجابهة الظاهرة المباشرة للسلطة. فهي تلمح ولا تصرح بكنايات واستعارات تشابيه يمكن أن تنسحب على أشياء لا تضر القائل من قريب أو بعيد مثل قولهم, (بوس الكلب في ثمة تتوخذ حقك منه) وهو تشبيه يليق بالحاكم الذي يخرج عن إطار أماني وآمال شعبه. ومثل قولهم للغاية التي تبرر الواسطة (الكذب ملح الرجال) وقولهم في النفاق والرياء (حب وداري وابغض وواري) وهي تمثل تفكير الشعب  الواقعي الساذج الذي يعتمد التجربة اليومية الآنية ويعالج المشاكل الحياتية في صورتها الأولى وترتفع غصونها في الآفاق وتنتشر ظلامها ذات اليمين وذات الشمال فهي من الآداب التي تلائم النفس كل نفس وتحفظ عن ظهر قلب بسهولة من قبل معظم الناس. فهي بالنسبة لحياة الناس كالملح للطعام تتدخل في معظم أحاديثهم لأنها تقوم على إصابة المحز وتطبيق المفصل.

دراسة القطاعات الشعبية:

وقد برزت أهميتها الموضوعية في الآونة الأخيرة كدليل يكشف بسهولة عن طبيعة الشعب وذكائه, فدراستها تعد دراسة للقطاعات الشعبية صاحبة الجهد الحقيقي في البناء الحضاري, والبحث فيها إنما هو بحث في حياة فئات العامة من الناس والخاصة على اعتبار أنها جهد مشترك لعامة الشعب على اختلاف نشاطاتهم وسلوكهم في تعاملهم وأخلاقهم وعاداتهم, وكيف تولدت تلك العلاقات؟ ومداها ودورها في تكوين أخلاقيات الناس, فهي لذلك كله تعتبر بحق وثيقة اجتماعية هامة لرصد الجانب الاجتماعي لحياة السكان الفلسطينيين في حلهم وترحالهم في مدنهم وأريافهم وبواديهم. كما أنها تعتبر قوانين غير مكتوبة يدينون بها ويلتزمون بمضمونها نصا وروحا في الغالب عن طيب خاطر ودون أدنى عضاضة إلا عند أقلهم ( ممن لا يؤمنون بها وهو قلة) وذلك لما لها من تأثير فعال يترجم عن نزعاتهم العامة ويكشف عن ملامح شخصيتهم من حيث التقاليد والقيم والعادات التي حرصوا ويحرصون على التقيد بها. هذا فضلا عما جاء في تضاعيفها من إشارة إلى مختلف الصناعات والمهن والأحوال المعايشة التي يحيونها. وذل في مثل قوله ساخرين من الحرفي الذي يهمل وضعه الشخصي (باب النجار مخلع, والسكافي حافي, والخياط عريان, وبيت البنا مليان فيران) والواقع أن دراسة القطاعات الشعبية من خلال أمثالها الدارجة تعد خطوة جديدة في مجال الدراسات الإنسانية, فرصتها ضرورات إنسانية واجتماعية وعلمية حديثة طارئة.

3ـ ضرورة تاريخية:

لقد عاشت الأمثال الدارجة في فلسطين في ضمير الشعب مئات السنين متوارثة وستستمر إلى ما شاء الله فهي عصارة تجارب الشعب الفلسطيني وخبراته في مسيرته الحياتية الطويلة عبر الأجيال السحيقة وخلاصة مستجيلة لتاريخ أحداثه في فترات متباعدة من الزمن بل هي زبدة تاريخ طويل, ومرآة صافية تسجل أثاره تسجيلا صادقا لمسيرته وانعكاسا حيا لروحه وضميره. ولها أهمية بالغة في تكوين التراث الاجتماعي وفي تثبت سلوك الناس في طريق الحياة أفرادا وجماعات وفي تجنب العثرات والهنات والتزام السبيل السوي والحجة البيضاء, فهي والحالة تلك قاموس تاريخ الشعب الفلسطيني بكل طبقاته وقطاعاته لذلك يمكن اعتبارها مصدرا هاما للمؤرخ الأخلاقي والاجتماعي, يستطيع كل منهما أن يعرف الكثير من أخلاقيات هذا الشعب وعاداته وعقليته ونظرته إلى الحياة. لأن الأمثال عادة وليدة البيئة التي نشأت عنها وهي نتيجة منطقية للحياة في المجتمعات الزراعية ولا يخفي ما لفلسطين من تاريخ زراعي عميق الجذور بعيد الأغوار فهي الأرض التي وصفت قديما بأنها تدر لبنا وعسلا.لذلك كله اعتبر المثل الدارج في فلسطين سجلا صادقا لعصور خلت بأحداثها ومفاهيمها وتجاربها وأخلاقها وعاداتها وله أهميته وله أهميته التاريخية والاجتماعية والثقافية والبيئية ظن لأنه تأثر في الحياة ولغة التخاطب وأيضا المعنى بأوجز عبارة وأدق دلالة وأصدق تعبير متخطيا النظم  السياسية أحيانا والمعتقدات الدينية أخرى من غير خوف ولا جل. والسبب في حرية عبارته في كل زمان ومكان وتحدية لكل اعتبار تقريبا حتى عصور الظلم والاستبداد هو أن قائلية أشخاص مجهولون عن كل عقوبة أو لوم.

ولما كان المثل سائرا عبر عصور التاريخ مطبوعا بلغة وعادات العصر المولود فيه, وكانت فلسطين من أكثر حواضر العرب تعرضا للظلم والغارات والاحتلال خلال السنتين الطويلة التي منيت بها ... مع انتشار المجاعات والطواعين لذا جاء مثلها معبرا عن ذلك كله بصوره المختلفة وبلفظه العربي وبمعناه القلق المتذمر أو الناقد المحتج أو الثائر المتحدي أو السافر التمرد, مثل قولهم في معرض الحض على الاقتصاد والتوفير (خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود) وقولهم أيضا (اللي بفرط في الملين بفرط في الملايين).

4ـ بضاعة محلية:

ويمكن استجلاء خصائص البيئة الفلسطينية ومقومات المجتمع الفلسطيني وموافقة من خلال المثل الدارج الذي يكشف عن المناخ الفكري والشعوري الذي تنمو فيه المواهب والملكات وتؤصل مفهوم الحرية وتقوي الشعور بالمسئولية وتجعل لكل مواطن إرادة تدفع بحملة التاريخ نحو التقدم, لأنها البضاعة المحلية الخالية من كل غريب مستورد في النتائج البكر الذي توارثه عن السلف دون أن تبعث بها ظروف الأحداث وتقلبات الأيام.

5ـ  تعاليم الآباء وتربية الحكماء:

وتعتبر الأمثال الدارجة أسهل سبيل وخير وسيط لنقل تعاليم الآباء والأجداد وإبلاغها بصورة فعالة لجميع طبقات الشعب لبناء أخلاق قويمة فانزيهة منها تنطوي على مبادئ الفضية والشرف والصدق والإحسان والمعروف وحسن السلوك والاقتصاد والكرم والضيافة والحزم والعزم والثبات والتأني والصبر والأخذ بالثأر والاحتراس من الأعداء والاعتماد على النفس فهي والحالة تلك قاعدة السلوك وناموس الأدب عند عامة الشعب مثل قولهم: (العب وعاشر والعرض مش داشر) وقولهم: (صوم شهر تشبع دهر) وقولهم: (وعد الاوفا, عداوة بلا سبب) (والصبر مفتاح الفرج)    (والحركة فيها بركة).

وقد اتفق المثل مع الحكمة في هدفيهما التعليمي المبني على أساس الوعظ وتقرير قضايا السلوك وقواعد المعرفة والمعتقدات والتشريح الشعبي والمبادئ الفنية والذوق إلى آخر هذه المناحي المختلفة من النشاط الشعبي الخلاق.

فالأمثال معين لا ينضب للتربية الاجتماعية لما ينطوي عليه من دعوة خالصة لفضائل الأخلاق ومكارمها والاستقامة والعدل فهي نداء إلى التواضع والإيثار..... وهي حرب على الرذيلة بشتى صنوفها لأن فيها ما يسبب ذيوع آفات اجتماعية تقض مضاجع المجتمع وتكبده أفدح الأضرار.

وهي توصي بالاستشارة وتشيد بدورها في الحياة وتشير إلى وجوب الرعاية بالنسل والجيل الصاعد كما توصي بالتربية الصحيحة (وهي أشبه بالمواد الكلية في الحقوق المدنية من حيث إيجازها وبلاغتها وما ينطوي تحتها من معان, فكتب حقوق القروي على سبيل المثال ـ تحت لسانه وهو لا يحتاج إلى مراجعة المجلات والدساتير ليصدر أحكامه فهذه الأمثال أحكام تتناول جميع الشؤون الحياتية وتحل بعض الخلافات وتفض بعض المنازعات) و(كل سكره ولها مفتاح), (كل عقدة ولها ساعة تنحل فيها) أو قولهم (كل عقدة ولها ميئة حلال) لذلك كله اعتبرت الأمثال الدارجة في فلسطين تراثا أصيلا لم يتأثر بثقافات أخرى وافدة أو مستقرة ودون أن يغير من طابعها حسن الحضارة وزخرفها المصطنع المتمثل في التقليد الأعمى والزائف للحضارة الضريبة ولذلك فإني أخشى ما أخشاه إنساننا الفلسطيني هو الانصراف عن تلك المأثورات الشعبية (ومنها المثل) والركض وراء بريق الحضارة اللامع خاصة بعد أن توقفت وسائلها وألهت الناس وإذاعية وسماعهم لأغن وقصص باعدت بينهم وبين تعشق تراثهم والاهتمام به أو حتى مجرد النظر إليه. <<بين بين>> (معارض ومؤيد).

ناهيك عن النظرة الدونية التي يحظى بها الأدب الشعبي لدى فئة من المتعلمين المتعصبين الذين ينظرون إليه من زاوية واحدة هي كونه صيغ باللغة العامية الدارجة), فلا حاجة لهم لدارسته والاهتمام به وقد ارتفعت هناك أصوات بالمقابل تدافع عن التراث وتعمل جاهدة في سبيل جمعه وأرشفته وتنظيمه وإعداده للدرس والدارسين (فالأحياء مرادف للاستقلال) هذا بعد أن خبرت تلك الفئة فائدته وأهميته في الكشف عن الهوية والأصالة والإبقاء على السمات القومية لشعب أريد له أن يضمحل ويتوارى في مسارب الزمن.....

6ـ  بين ماض وحاضر:

إضافة إلى ما يلاحظ في تلك الأمثال من الروعة والجمال وإصابة الهدف والدقة في التعبير والأصالة في التفكير بما لا يقل عن الأمثال العربية القديمة الفصيحة. ولولا أن اتهم بالمبالغة والمحاباة لنا صرت الجهيمان في قوله: (إن في الأمثال الدارجة على ألسنة الشعب ما يفوق بعض الأمثال القديمة........ أصالة ودقة وقصدا). ولا غرابة في هذا فإن التربة التي أنبتت أولئك هي عينها التي أنبتت الآباء والأجداد من السلف .... وأن نفس التجارب التي مر بها الأقدمون هي نفسها التي مر بها من جاء بعدهم من خلف من أفرزوا الأمثال على مر الأجيال, (وفي بعضها نجد قوة البناء, وفيها ما هو مرصوف القوالب بلا عجينة تربط جوانبه وتلحم قوالبه....).

<<السالب والموجب>>: وأخيرا فإن الأمثال الدارجة السيئ والضار المثبط. كما أن فيها جمالا وخيرا وفضائل يعتز بها. لذا فإن تنقيتها منالزوان والشوائب والتصرف حيالها بما يلائم يعتبر عملا نافعا. كما أن الحال تفرض ضرورة المحافظة على النافع منها والتمسك بها وتنميتها والاستفادة منها في قوة الاندفاع إلى الأمام.

ولن تتأتى التنقية تلك إلا بالغربلة اللازمة عن طريق التصفية لا الإبعاد لأن في الأبعاد تشويها لحقيقة الصورة التي ندعو إليها ونعمل لإظهارها بغض النظر عن السلبيات والإيجابيات. لأن الكمال لله وحده. وبعد فهل هناك من مؤثرات أثرت على المثل أو تأثرت به؟. وقد تكفل الفصل الخامس بالإجابة عن هذا التساؤل حيث تنتهي المسيرة مع هذه الدارسة فالفصل الخامس في جوانبه المؤثرة والمتأثرة بالمثل الدارج.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

الترابط بين الأمثال الشعبية والأبعاد الاجتماعية

د. شريف كناعنة

* مقدمة:

الأمثال الشعبية من أكثر أنواع التراث الشعبي انتشاراً وتداولاً. فاستعمالها لا يتطلب أي مواصفات أو مهارات معينة من قبل المستعمل. ولا توجد أي ظروف نفسية ومناسبات اجتماعية يمنع معها استعمال الأمثال وبالعكس فإن لكل ظرف ولكل مناسبة مجموعة من الأمثال تتناسب معها.

وقد ساعدت كثرة انتشار الأمثال وتداولها على سهولة الحصول على عينات كبيرة منها مما أدى إلى كثرة الدراسات الفلكلورية التي تستعمل الأمثال. إلا أن مثل هذه الدراسات وفي العالم العربي بشكل خاص, لم يتعد, إلا في حالات قليلة, مرحلة الجمع والتصنيف.

هناك حالات قليلة حاول فيها بعض الدارسين التعرف من خلال الأمثال على بعض الأبعاد النفسية والاجتماعية لمجتمع من المجتمعات أو لبعض فئاته أو أفراده. ولكن هنالك فجوة نظرية ومنطقية بين هذين النوعين من الدراسات. هذه الفجوة تتلخص في القول بأنه إذا كانت الدلالات الاجتماعية والنفسية جزءاً من طبيعة الأمثال وليست جزءاً من نظرة الباحث ويجب أن يكون هناك ترابطاً بين الأمثال المستعملة من قبل الفئات المختلفة من جهة والمتغيرات الاجتماعية والنفسية التي تميز هذه الفئات عن بعضها من جهة أخرى. وجود مثل هذا الترابط هو ما تحاول هذه الدراسة إثباته, أما الدلالات الاجتماعية والنفسية لهذا الترابط فنأمل أن نعود إليها في دراسة لاحقة بعد أن نكون قد أثبتنا وجود هذا الترابط.

 

* الفرضيات

لقد اعتمدت في هذه الدراسة على عدد من الفرضيات البسيطة, فقد افترضت مثلاً أن لكل شعب أو مجتمع حصيلة أو خزينة من الأمثال مشتركة إلى حد كبير بين جميع فئاته ولكن أفراد المجموعات المختلفة الناتجة عن فروق في السن والجنس أو الانتماء الطبقي أو الديني أو القبلي أو الجغرافي يتشابهون ضمن تلك الفئة في استعمالهم لتلك الحصيلة العامة من الأمثال ويختلفون في ذلك إلى حد ما عن أفراد الفئات الأخرى. وأن هذه الفروق تأتي في إطار ثلاثة أبعاد على الأقل وهي:

أ‌.        نوع الأمثال التي يعرفها الشخص ويستعملها.

ب‌.     عدد الأمثال التي يعرفها الشخص ويستعملها.

ج. مدى تذوق الشخص وفهمه وإدراكه لمعنى الأمثال التي يعرفها وكيفية استعمالها.

كذلك فقد افترضت في معنى الفروق بالنسبة لهذه الأبعاد يختلف بشكل جذري من بعد إلى آخر. فالفرق بين فئتين اجتماعيتين في نوع الأمثال يعني فروقاً في المثل والقيم والتجارب والاتجاهات الاجتماعية.

والفرق في عدد الأمثال يشير إلى فروق في درجة معروفة الثقافة الشعبية للمجتمع ومدى الانخراط فيها أما الفرق في درجة فهم الأمثال وتذوقها وكيفية استعمالها فيشير إلى درجة الالتزام والتناهي والتضامن مع عامة الشعب في ذلك المجتمع.

* طريق البحث:

جمعت المعلومات المستعملة في هذه الدراسة من عينة مكونة من 106 ص من طلبة جامعة بيرزيت., وكانت طريقة الجمع بأن قمت بدخول حصص مختلفة بناء على اتفاق سابق مع مدرس كل حصة ولكن دون أي توقع أو معرفة سابقة من قبل الطلبة. ثم طلبت من الطلبة أن يقوم كل منهم بتعبئة استمارة قصيرة. ثم يحاول كتابة أكبر عدد ممكن من الأمثال الشعبية يستطيع أن يتذكرها خلال مدة 10 دقائق, ثم قمت بجمع الأوراق بعد انتهاء العشر دقائق مباشرة.

وقد قمت بعد ذلك بترميز جميع الإجابات وتفريغها على بطاقات كمبيوتر مكنتني من استعمال برنامج  سمح بإجراء التحليلات التي سنشرحها فيما بعد.

* مواصفات العينة:

تكونت العينة, كما ذكرنا سابقاً, من 106ص من طلبة بيرزيت وكانت مواصفات العينة كما يلي:

  1. من ناحية الجنس: 74 ذكور, و23 إناث
  2. من حيث الدين: 96 من المسلمين, و10 من المسيحيين
  3. من حيث نوع المجتمع: 64 من المدن, و41 من القرى, و19 من المخيمات.
  4. من حيث التوزيع الجغرافي: كان 6 من لواء الخليل, 4 من لواء بيت لحم, 14 من لواء القدس, 22 من لواء رام الله, 7 من لواء نابلس, 8 من لواء طولكرم, 7 من لواء جنين, 28 من غزة.
  5. من حيث نوع المدارس الثانوية التي تخرجوا منها: 85
  6.  حكومية, 12 خاصة أ (تابعة لمؤسسات محلية), 9 خاصة ب (تابعة لمؤسسات أجنبية).
  7. من حيث حقول التخصص: 23
  8.  لغات (لغة عربية), 24 علم اجتماع, 18 تجارة واقتصاد, 11 علوم طبيعية و30 هندسة.
  9. من حيث علامات التوجيهي:

        العلامة             العدد

        دون 76           23

        76 ـ85          48

        86 فما فوق       35

8. من حيث علامات الفصل الذي سبق جمع المعلومات:

       العلامة             العدد

       دون 71           12

       71 ـ 75         48

       76 فما فوق       56

9. وأخيراً من حيث السنة الدراسية:

       2                 سنة أولى

       14               سنة ثانية

      32                سنة ثالثة

      58                سنة رابعة

أما عامل السن فلم يؤخذ في الحسبان إذ أن فروق السن كانت بسيطة جداً ولا تتعدى سنتين أو ثلاثة ولم يكن من المتوقع أن يكون لها تأثير مستقل عن العامل الأخير أي السنة الدراسية في الجامعة.

* النتائج:

كان مجموع ما ذكره أفراد العينة 1316 <<مثلاً>> أي بمعدل 12.4 للفرد الواحد وقد تراوح عدد ما ذكره الفرد من 1 إلى 28 <<مثلاً>>.

ولكن لم تكن جميع الأمثال التي أدرجت مستوفيه لشروط المثل الشعبي الحقيقي فقد كان بينها أمثال باللهجة الفصحى, أو كانت حكماً أو تشابيه شعبية, أو أقوال مأثورة, أو جاء <<المثل>> مشوهاً إلى درجة أبعدته عن الصيغة الحقيقية للمثل المقصود, وقد رفضنا مثل هذه <<الأمثال>> المخطوءة واحتفظنا لكل فرد من أفراد العينة برقمين كان أحدهما مجموع ما أدرجه الشخص من <<أمثال>> والثاني مجموع ما وجد مقبولاً من تلك الأمثال.

وقد حكمنا على 1004 أمثال من أصل 1316 بأنها صحيحة ومقبولة وبذلك كان معدل الأمثال الصحيحة التي ذكرها كل فرد هو 9.5 وتراوح عدد ما ذكره الفرد من الأمثال الصحيحة من صفر إلى 22 مثلاً.

وقد تكرر ذكر بعض الأمثال من قبل عدد من أفراد العينة وبعد حذف الأمثال المتكررة وجدنا أن جميع أفراد العينة ذكروا ما مجموعه 399 مثلاً مختلفاً من الأمثال الشعبية الحقيقية والمذكورة بشكل صحيح, أي أن كل فرد من أفراد العينة ذكر ما معدله حوالي 4 أمثال شعبية صحيحة لم يذكرها غيره من أفراد العينة. وبالعكس يمكننا القول أن ما معدله حوالي 6 أمثال من الـ 9.5 مثلاً التي ذكرها كل فرد جرى ذكرها من قبل فرد واحد آخر على الأقل من أفراد العينة.

* مدى شيوع الأمثال:

نعني بمدى شيوع الأمثال عدد المرات التي تكرر بها ذكر كل مثل من قبل أشخاص مختلفين من أفراد العينة. وقد تراوح تكرار الأمثال المختلفة من مرة واحدة إلى 66 مرة.

ويظهر في القائمة التالية (رقم 1) جميع الأمثال التي تكرر ذكرها من قبل عشرة أفراد أو أكثر.

 

قائمة رقم 1

الترتيب من حيث كثرة التكرار

رقم المثل في القائمة الكلية

نص المثل

عدد مرات التكرار

1

1

طب الجرة ع ثمها بتطلع البنت لأمها.

66

2

59

على قد فراشك مد اجريك.

27

3

28

القرد في عين أمه غزال.

26

4

77

جاجة حفرت على راسها عفرت.

25

5

56

الطول طول نخلة والعقل عقل سخلة.

23

6

170

29

ـ فرخ البط عوام.

ـ يا ميخذ القرد ع كثر ماله بروح المال وبيقى القرد على حاله.

14

13

7

55

160

 

61

 

ـ يا شايف الزول يا خايب الرجا.

ـ أجت الحزينة تفرح ما لاقتش مطرح.

ـ إجيناك يا عبد المعين تعين, تاريك ما عبد المعين بدك معين.

13

13

 

12

8

112

155

 

133

 

ـ أجا يكحلها عماها.

ـ الطاقة اللي بيجيك منها الريح, سدها واستريح.

ـ اللي بعرف بعرف, واللي ما بعرف بيقول كف عدس.

12

12

 

11

 

9

17

15

ـ الحكي للجارة واسمعي يا كنة.

ـ تيتي تيتي مثل ما رحت جيت.

11

10

10

19

 

40

 

ـ بوس الكلب من ثمه تا توخذ حاجتك منه.

ـ أنا وأخوي ع ابن عمي وأنا وابن عمي ع الغريب.

10

 

10

 

 

نرى من هذه القائمة أن هنالك 17 مثلاً جرى تكرار كل منها عشر مرات أو أكثر كما نرى أن هذه الأمثال تقع في ثلاث مجموعات منفصلة عن بعضها من جدة مدى شيوعها أو تكرارها بحيث أن عدد مرات التكرار لكل منها يساوي تقريباً ضعف المجموعة التي تليها, هذه المجموعات هي:

المجموعة الأولى وهي مكونة من مثل واحد فقط وهو رقم 1 (طب الجرة على ثمها, بتطلع البنت لأمها) وقد جرى ذكره 66 مرة.

المجوعة الثانية مكونة من الأمثال 59, 28, 77, 56 وقد تراوح عدد الذين ذكروا كل منها بين 23 و 27 شخصاً.

والمجموعة الثالثة وتتكون من باقي الأمثال التي تظهر في القائمة رقم 1 ويتراوح عدد الذين ذكروا كل منها بين 10 إلى 14.

وتنتقل إلى الأبعاد الاجتماعية للعينة لنرى فيما إذا كانت هناك فروق واضحة وذات دلالة بين الفئات المختلفة ضمن العينة من حيث معرفتها للأمثال. وبما أن هذه الفئات ليست متساوية فسوف نجري معظم المقارنات بالنسب المئوية وليس بالأرقام بالمطلقة.

* بعد الجنس:

ذكرنا سابقاً أن العينة مكونة من 74 من الذكور و32 من الإناث. عند تقسيم العينة إلى ذكور وإناث نجد أن معدل ما ذكره الذكور 13 مثلاً, معدل ما قبل منها 9.7 مثلاً, معدل الخطأ 3.3 مثلاً أي أن النسبة الخطأ حوالي 25%.

معدل ما ذكرته الإناث 11 منها 8.6, معدل الخطأ 2.4 مثلاُ أو حوالي 20%.

نلاحظ هنا أن الذكور قدموا عدد أكبر من الأمثال سواء قبل حذف الأمثال غير المقبولة أو بعده. جاءت هذه النتيجة عكس توقعات الباحث وعلى عكس النتائج المذكورة في الدراسة المشار إليها في ملاحظة رقم 1.

وهذه قائمة تبين الأمثال الخمس الأكثر شيوعاً بين الذكور والإناث كل على حده:

 

قائمة رقم 2

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

ذكور نص المثل

نسبة الشيوع

المرتبة في قائمة رقم 1

رقم المثل

إناث نص المثل

نسبة الشيوع

1

1

طب الجرة ع ثمها بتطلع البنت لأمها

44%

1

1

طب الجرة..

75%

3

28

القرد بعين أمه غزال

6%

4

77

جاجة حفرت..

4%

2

9

على قد فراشك مد إجريك

3%

2

9

على قد فراشك..

1%

5

6

الطول طول نخلة والعقل عقل سخلة

2%

6

170

فرخ البط عوام

5%

4

7

جاجة حفرت على راسها عفرت

 

9

160

أجت الحزينة تتفرح

2%

 

وبعض ما يمكن أن نلاحظه من القائمة رقم 2 ما يلي:

1. أن المثل الذي احتل المرتبة الأولى لدى العينة ككل احتل المرتبة الأولى أيضاً لدى الذكور والإناث كل على حده ولكن درجة شيوعه بين الإناث (75%) جاءت أعلى بشكل ملموس من درجة شيوعه بين الذكور (44%).

2. الأمثال الخمسة التي احتلت المراتب الأولى لدى العينة ككل احتلت تقريباً نفس المراتب لدى الذكور مع تبديل بسيط إذا ارتفع بعضها أو انخفض بمرتبة واحدة.

3. أما الفرق بين عينة الإناث والعينة ككل فهو أكبر إذ نجد أن المثل رقم 77 (جاجة حفرت...الخ) تنقل من المرتبة الرابعة لدى العينة ككل إلى المرتبة الثانية لدى الإناث, ورقم 170 (فرخ البط عوام) انتقل من المرتبة السادسة إلى الرابعة ورقم 160 (أجت الحزينة..الخ) ارتفع من المرتبة السابعة إلى الخامسة بينما نرى أن المثل رقم 28 (القرد بعين أمه غزال) انخفض من المرتبة الثالثة إلى السادسة في نفس الوقت الذي ارتفع فيه لدى الذكور إلى المرتبة الثانية.

4. نستطيع أن نلخص ما جاء في القائمة رقم 2 بشكل عام بأن الأمثال رقم 170,160,77,1 مع أنها واسعة الانتشار بين أفراد الجنسين في أمثال <<ستاتيه>> أكثر منها <<رجالية>> بينما المثل رقم 28 (القرد في عين أمه غزال) هو مثل <<رجالي>> أكثر منه <<ستاتي>>.

* بعد الدين:

تكونت العينة من 96 من المسلمين و 10 من المسيحيين وبما أن عدد المسيحيين في العينة قليل جداً فإننا لا نستطيع أن نضع ثقة كبيرة في النتائج المذكورة بالنسبة لهذا البعد.

كان معدل ما ذكره المسلمون 12.3 قبل منها ما معدله 9.4 مثلاً أي أن نسبة الخطأ 20% وكان معدل ما ذكره المسيحيون 11.3 قبل منها 8.9 مثلاً فكانت نسبة الخطأ 9%.

وتبين القائمة التالية (قائمة رقم 3) الأمثال الخمسة الأكثر شيوعاً لدى كل من هاتين الفئتين:

 

قائمة رقم 3

مسلمون

مسيحيون

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

 

طب الجرة..الخ

59%

1

1

طب الجرة..الخ

 

5

56

الطول طول نخلة..الخ

24%

3

28

القرد..الخ

 

2

9

على قد فراشك..الخ

24%

2

59

على قد فراشك..الخ

 

4

7

جاجة حفرت..الخ

24%

4

77

جاجة حفرت..الخ

 

3

8

القرد بعين

22%

7

160

أجت الحزينة..الخ

 

 

ونلاحظ من هذه القائمة:

أن المثل رقم 1 (طب الجرة..الخ) صاحب المرتبة الأولى لدى العينة ككل هو أيضاً صاحب المرتبة الأولى ولكنه أكثر شيوعاً لدى المسيحيين (90%) منه لدى المسلمين (59%) هنالك فرق ملموس أيضاً بالنسبة للمثل رقم 28 (القرد بعين أمه غزال) فهو يمثل المرتبة الثانية لدى المسيحيين (50%) والمرتبة الخامسة لدى المسلمين (22%) كذلك فإن المثل رقم 160 (أجت الحزينة ..الخ) أكثر انتشاراً لدى المسيحيين. من جهة أخرى نرى أن المثل رقم 56 (الطول طول..الخ) احتل المرتبة التابعة لدى المسلمين بينما لا يظهر في قائمة العينة المسيحية.

 

* فارق نوع البيئة الاجتماعية (مدينة, قرية, مخيم):

تكونت العينة الكلية ص 46 شخصاً من سكان المدن, 41 من سكان القرى و19 من سكان المخيمات.

كان معدل ما ذكره طلبة المدن 11 مثلاً, قبل منها 8.9 مثلاً, وكانت نسبة الخطأ 19%.

كان معدل ما ذكره طلبة القرى 12.7 مثلاً, قبل منها 9.5 مثلاً, وكانت نسبة الخطأ 25%.

كان معدل ما ذكره طلبة المخيمات 12.9 مثلاً, قبل منها 11.3 مثلاً, وكانت نسبة الخطأ 12%.

نرى هنا نمطاً واحداً أن يذكر طلاب المخيمات أكبر عدد من الأمثال يليهم طلاب القرى ثم المدن ويزداد الفرق عندما نزيل الأخطاء فيصبح معدل ما يعرفه طلاب الخيمات أكثر ب 1.18 مثلاً من طلاب القرى أو 2.4 مثلاً من طلاب المدن. وسوف نرى أن هذا النمط الذي يتشابه فيه طلاب المدن والقرى ويختلفون معاً عن طلاب المخيمات سوف يتكرر عدد مرات في سياق الحديث عن بعد البيئة الاجتماعية.

تبين القائمة التالي (رقم 4) الأمثال الخمسة الأكثر شيوعاً لدى كل من طلاب المدن والقرى والمخيمات.

 

قائمة رقم 4

 

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

 

 

مدن

1

1

طب الجرة..

70%

3

28

القرد بعين أمه..

26%

4

77

جاجة حفرت..

26%

2

59

على قد فراشك

20%

5

56

الطول طول النخلة

71%

قرى

1

1

طب الجرة..

59%

3

28

القرد بعين أمه..

27%

2

59

على قد فراشك..

27%

4

77

جاجة حفرت..

24%

5

56

الطول طول النخلة

20%

 

1

1

طب الجرة..

53%

5

56

الطول طول النخلة

20%

2

59

على قد فراشك..

37%

7

55

جاجة حفرت..

32%

4

77

الطول طول النخلة

26%

 

من القائمة رقم 4 أعلاه ملاحظة ما يلي:

1. أن أكثر تشابه بين مراتب الأمثال الأكثر شيوعاً لدى طلبة المدن والقرى وأن الأمثال الخمسة الأكثر شيوعاً لدى كل منها هي نفس الأمثال الأكثر شيوعاً لدى العينة ككل مع تغير بسيط في مراتب بعض الأمثال. وتنفرد عينة المخيمات باختلاق ملموس عن العينة الكلية وعن عينتي القرى والمدن, إذ يرتفع المثل رقم 56 (الطول طول النخلة..الخ) من المرتبة الخامسة إلى الثانية ويرتفع المثل رقم 55 (يا شايف الزول..الخ) من المرتبة السابعة لدى العينة الكلية إلى المرتبة الرابعة لدى عينة المخيمات. أما المثل رقم 28 والذي احتل المرتبة الثالثة لدى العينة الكلية والمرتبة الثانية لدى عينتي القرى والمدن كل على حدة, فإنه لا يظهر بين الأمثال الخمسة الأكثر انتشاراً لدى عينة المخيمات.

2. نلاحظ أن المثل رقم 1 (طب الجرة..الخ) ما زال أكثر الأمثال شيوعاً لدى جميع العينات الفرعية إلا أنه أكثر انتشاراً وبشكل واضح, بين طلاب المدن منه لدى طلاب القرى والمخيمات.

* فارق الألوية:

كان توزيع العينة حسب الأولوية كما يلي: جنين7, طولكرم8, نابلس 7, رام الله 32, القدس 14, بيت لحم 4, الخليل 6, غزة 28.

ونرى أن حجم العينة لبعض الألوية مثل بيت لحم والخليل صغير جداً ولذا فإننا لا نستطيع أن نضع الكثير من الثقة في الاستنتاجات التي نخرج بها بالنسبة لمثل هذه الألوية.

وكانت معدلات الأمثال بالنسبة للألوية المختلفة كما يلي:

قائمة رقم 5:

اللواء

معدل ما ذكر

معدل ما قبل

معدل الأخطاء

نسبة الأخطاء

جنين

13.4

11.3

2.1

16%

طولكرم

13.7

8.4

5.3

39%

نابلس

11.9

11.4

0.5

4%

رام الله

12.3

8.9

3.4

28%

القدس

11.1

9

2.1

19%

بيت لحم

11.5

11

0.5

4%

الخليل

15.7

11.5

4.2

37%

غزة

12.2

9

3.2

26%

هناك فروق ملموسة بين معدل عدد الأمثال التي ذكرها أفراد كل عينة فجاء أعلى هذه المعدلات وهو 15.7 من الخليل تلاه طولكرم 13.7 وجنين 13.4 وجاءت أدنى المعدلات من القدس 11.1.

هناك أيضاً فروق ملموسة في معدل نسبة الأخطاء لكل لواء فقد جرى رفض 39% مما قدمته عينة طولكرم و27% مما قدمته عينة الخليل بينما امتازت نابلس وبيت لحم بقلة الأخطاء (4%).

وبعد إزالة الأخطاء تبقى الخليل صاحبة أعلى عدد من الأمثال الصحيحة (11.5) وتقترب منها نابلس (11.4) وجنين (11.3) بينما تكون القدس وغزة صاحبة أدنى المعدلات.

وتبين القائمة رقم 6 الأمثال الخمسة الأكثر شيوعاً في كل لواء على حدة:

 

لواء جنين

لواء طولكرم

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

 

طب الجرة..الخ

86%

1

1

طب الجرة..الخ

 

3

8

القرد بعين

43%

2

59

على قد فراشك

 

4

7

جاجة حفرت..الخ

43%

4

77

جاجة حفرت..

 

6

70

الطاقة اللي بيجي..

43%

7

29

يا ميخذ القرد..

 

8

55

فرخ البط

43%

10

15

تيتي تيتي..

 

 

نابلس

رام الله

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

 

طب الجرة..الخ

57%

1

1

طب الجرة..

 

3

8

القرد بعين أمه..

43%

5

56

الطول طول النخلة

 

4

7

جاجة حفرت

43%

ـ

2

ثلثين الولد لخاله

 

ـ

 

ثلثين الولد لخاله

14%

4

77

جاجة حفرت

 

9

7

الحكي للجارة

14%

3

28

القرد بعين أمه

 

 

القدس

بيت لحم

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

1

طب الجرة..الخ

79%

1

1

طب الجرة..الخ

 

2

9

على قد فراشك..

21%

3

28

القرد بعين أمه..

 

3

8

القرد بعين أمه..

21%

7

29

يا ميخذ القرد..

 

8

60

أجت الحزينة..

21%

12

40

أنا وأخوي

 

7

12

أجا يكحلها..

21%

ـ

2

ثلثين الولد لخاله.

 

 

الخليل

غزة

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

1

طب الجرة..

67%

2

59

على قد فراشك

 

2

9

على قد فراشك

33%

1

1

طب الجرة..

 

8

55

الطاقة اللي بيجيك..

33%

3

28

القرد بعين أمه

 

3

8

القرد بعين أمه..

17%

8

55

يا شايف الزول

 

7

9

يا ميخذ القرد..

17%

7

61

جيناك يا عبد

 

 

 

من القائمة رقم 6 يمكن أن يلاحظ ما يلي:

1. هناك فرق واضح بين غزة وألوية الضفة الغربية ككل بالنسبة لمثل قم 1 (طب الجرة..الخ) فهو المثل الأكبر شيوعاً, دون أي منافس, في جميع ألوية الضفة الغربية وتتراوح نسبة من ذكروه من عينات هذه الألوية بين 57% و 100% بينما لم يذكره من عينه غزة سوى 32% واحتل المثل رقم 59 (على قد فراشك مد اجريك) المرتبة الأولى إذا جرى ذكره من قبل 36% من أفراد العينة. وهذه ميزة أخرى لعينة غزة إذ لم يبرر فيها أي مثل مفضل بشدة كما هو الحال بالنسبة للمثل رقم 1 في ألوية الضفة الغربية فجاء التفاوت بين مدى شيوع الأمثال المختلفة في غزة ضئيلاً.

2. المثل رقم 1 (طب الجرة..الخ) هو أكثر الأمثال شيوعاً لدى عينات جميع الألوية ولكن مدى انتشاره يختلف من لواء إلى آخر إذ يكون واسع الانتشار في المناطق الجنوبية خصوصاً في بيت لحم (100%) والقدس (79%) ثم يقل انتشاره شمالاً حيث يصبح 75% في نابلس ثم يعود إلى الازدياد فيصبح 63% في طولكرم و86% في جنين.

3. تختلف مقاومة الأمثال الخمسة الأكثر انتشاراً من لواء الخليل, يمتاز بظهور مثل واحد على الأقل لا يظهر في قوائم الألوية الأخرى, فيمتاز لواء جنين بظهور المثل رقم 170 (الطاقة اللي بيجيك منها الريح, سدها واستريح), وطولكرم بالمثل رقم 15 (تيتي تيتي مثل ما رحت جيت), ونابلس بالمثل رقم 17 (الحكي للجارة واسمعي يا كنة), ورام الله بالمثل رقم 56 (الطول طول النخلة والعقل عقل السخلة), والقدس بالمثلين 112 (أجا يكحلها عماها) و160 (أجت الحزينة تتفرح ما لاقتش مطرح), وبيت لحم بالمثل (أنا و أخوي على ابن عمي وأنا وابن عمي ع الغريب). وغزة بالمثلين رقم 61 (جيناك يا عبد المعين تعين..الخ) ورقم 55 (يا شايف الزول يا خايب الرجا).

4. المثل رقم 2 (ثلثين الولد لخاله) لم يظهره بالمرة أكثر من 17 مثلاً انتشاراً لدى العينة الكلية (انظر قائمة رقم 1) ولكنه يظهر بين الأمثال الخمسة الأكثر انتشاراً لدى عينات نابلس ورام الله وبيت لحم كل على حده.

5. المثل رقم (59) (على قد فراشك مد رجليك) يحتل المرتبة الثانية لدى العينة الكلية ولكنه يختفي من قائمة الأمثال الخمسة الأكثر انتشاراً لدى عينات جنين ونابلس ورام الله عندما نأخذ كل منها على حدة.

6. المثل رقم 28 (القرد بعين أمه غزال) يحتل المرتبة الثالثة لدى العينة الكلية ولكنه يختفي من قائمة أكثر من خمسة أمثال شيوعاً لدى عينة طولكرم عندما نأخذها على حده.

* بعد حقل الاختصاص

توزع أفراد العينة الكلية حسب الاختصاص كما يلي: لغة عربية 23, علم اجتماع 24, تجارة واقتصاد 18, علوم طبيعية11, هندسة 30.

وتبين القائمة التالية (رقم 7) معدل ما ذكره أفراد كل مجموعة من الأمثال:

 

قائمة رقم 7

حقل الاختصاص

معدل ما ذكر

معدل ما قبل

معدل عدد الأخطاء

نسبة الأخطاء

لغة عربية

15

10.6

4.4

29%

علم اجتماع

11.8

9

2.8

42%

تجارة واقتصاد

8.6

6.7

1.9

22%

علوم وطبيعية

10.5

8

2.5

24%

هندسة

15.6

11.4

4.2

27%

 

نلاحظ من القائمة رقم 7 أن هناك اختلافاً ملموساً بين معدل ما قدمته عينات الاختصاصات المختلفة التي شملتها الدراسة من الأمثال. وقد قدم طلاب الهندسة أكبر عدد من الأمثال (15.6) تلاهم طلاب اللغة العربية (15) ثم الاجتماع (11.8)  فالعلوم الطبيعية (10.5) وقدم وقدم طلاب التجارة والاقتصاد أقل عدد من الأمثال (8.6) ويتساوى معدل ما قدمه طلاب التجارة والاقتصاد حوالي 55% فقط مما قدمه طلاب الهندسة. ونلاحظ أن نسبة الأخطاء, وليس عددها المطلق فقط, تزداد بازدياد معدل الأمثال المقدمة من العينات الفرعية المختلفة, ولكن حتى بعد حذف الأمثال الخاطئة فإن ترتيب العينات من حيث معدل الأمثال المقدمة لا يتغير, ولا يزيد معدل ما قدمه أفراد عينة التجارة والاقتصاد عن 60 % مما قدمه طلاب الهندسة. وقد جاءت هذه النتائج بعيدة عما توقعه الباحث إذ توقع أن يكون معدل طلاب الهندسة متدنياً وأن يكون معدل طلاب الاجتماع والتجارة والاقتصاد أعلى بكثير مما جاءت عليه.

وتبين القائمة التالية (رقم 8) الأمثال الخمسة الأكثر انتشاراً لدى عينات الاختصاصات المختلفة كل على حدة:

 

قائمة رقم 8:

لغة عربية

علم اجتماع

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

المرتبة في القائمة رقم 2

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

1

طب الجرة..الخ

78%

1

1

طب الجرة...

 

5

6

الطول طول النخلة..

39%

4

77

جاجة حفرت

 

8

5

الطاقة اللي بيجيك..

30%

2

59

على قد فراشك..

 

3

8

القرد بعين أمه..

22%

3

28

القرد بعين أمه..

 

4

7

جاجة حفرت..

22%

9

17

الحكي للجارة..

 

 

تجارة واقتصاد

علوم طبيعية

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

المرتبة في القائمة رقم 2

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

1

طب الجرة..

78%

1

1

طب الجرة..

 

2

9

على قد فرشك..

39%

4

77

جاجة حفرت..

 

7

60

أجت الحزينة

28%

9

133

اللي بعرف بعرف..

 

3

8

القرد بعين أمه..

22%

3

28

القرد بعين أمه..

 

5

6

الطول طول النخلة..

17%

5

56

الطول طول النخلة..

 

 

هندسة

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

1

طب الجرة..

50%

3

8

القرد بعين أمه

30%

7

5

يا شايف الزول

23%

2

9

على قد فراشك

23%

4

7

جاجة حفرت

20%

 

نلاحظ من القائمة رقم 8 أعلاه أن هناك فروقاً واضحة بين عينات الاختصاصات المختلفة من حيث الأمثال الخمسة التي تكرر ذكرها أكثر من غيرها لدى كل عينة على حدة. وهذا بعض ما يمكن أن نلاحظه من هذه القائمة.

1. أن المثل رقم 1 (طب الجرة...الخ) مع أنه ما زال على رأس قائمة الأمثال الخمسة الأكثر شيوعاً لدى جميع الفئات إلا أن مدى تفضيله يختلف من فئة إلى أخرى فبينما ذكره 78% من أفراد كل من عينة اللغة العربية وعينة التجارة والاقتصاد, لم يذكره سوى 50% من عينة الهندسة و 45% من العلوم الطبيعية.

2. المثل  رقم 59 (على قد فراشك مد رجليك) احتل المرتبة الثانية بالنسبة للعينة الكلية ولكن عند أخذ عينة كل اختصاص على حدة نرى أنه يختفي من قائمة أكثر خمسة أمثال تكراراً لدى عينتي اللغة العربية والعلوم الطبيعية.

3. المثل رقم 28 (القرد بعين أمه غزال) والذي احتل المرتبة الثالثة لدى العينة الكلية يظهر في قوائم جميع الاختصاصات مع فروق بسيطة في المرتبة التي يحتلها لدى العينات الفرعية المختلفة أي <<أنه شائع بين جميع العينات تقريباً بالتساوي>>.

4. لكل عينة مثل واحد يظهر في قائمتها ولا يظهر لدى أية عينة فرعية أخرى غيرها. تنفرد عينة اللغة الغربية بظهور المثل 155 (الطاقة اللي بيجيك منها الريح, سدها واستريح) بينما تنفرد عينة علم الاجتماع بالمثل رقم 17 (الحكي للجارة واسمعي يا كنة) وعينة التجارة والاقتصاد بالمثل رقم 160 (أجت الحزينة تتفرح..الخ) وعينة العلوم الطبيعية بالمثل رقم 133 (اللي بعرف بعرف..الخ) وعينة الهندسة بالمثل رقم 55 (يا شايف الزول يا خايب الرجا).

* بعد نوع المدرسة الثانوية التي تخرج منها الطالب:

لقد قسمنا العينة حسب نوع المدرسة الثانوية التي كان الطالب قد تخرج منها مثل دخوله الجامعة إلى ثلاث عينات فرعية كما يلي:

  1. طلبة تخرجوا من مدارس حكومية وهم الأكثرية الساحقة وعددهم 85 طالباً وطالبة.
  2. طلبة تخرجوا من مدارس خاصة تابعة لمؤسسات محلية وعددهم 12.
  3. طالبة تخرجوا من مدارس خاصة تابعة لمؤسسات أجنبية وعددهم 9 طلبة.

وكان معدل ما قدمه أفراد كل عينة من الأمثال كما يظهر في القائمة التالية (رقم 9):

 

قائمة رقم 9:

نوع المدرسة

معدل ما ذكر

معدل ما قبل

نسبة الأخطاء

حكومية

12.3

9.7

21%

خاصة

14.3

10.9

24%

محلية

ـ

ـ

ـ

خاصة

10.2

8.8

14%

أجنبية

ـ

ـ

ـ

يظهر من القائمة رقم 9 أن خريجي المداس الخاصة ـ المحلية قد قدموا أكبر عدد من الأمثال يليهم خريجو المدارس الحكومية ثم طلبة المدارس الخاصة التابعة لمؤسسات أجنبية ولكن هناك تناسب طردي بين معدل عدد الأمثال التي قدمتها كل عينة فرعية ونسبة الأخطاء. وعند حذف الأخطاء تقل الفروق بين معدلات العينات الثلاثة ولكن معدل الأمثال الصحيحة التي قدمها خريجو المدارس الخاصة يبقى مرتفعاً حيث يزيد بمثل واحد عن معدل ما قدمه خريجو المدارس الحكومية ومثلين عن معدل ما قدمه خريجو المدارس الخاصة الأجنبية.

وتعطينا القائمة رقم 10 مقارنة بين الأمثال الخمسة الأكثر تكراراً لدى كل من هذه الفئات الفرعية.

مدارس حكومية

مدارس خاصة محلية

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

المرتبة في القائمة رقم 2

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

1

طب الجرة..

61%

1

1

طب الجرة..

 

2

9

على قد فراشك..

28%

7

160

أجت الحزينة

 

4

7

جاجة حفرت

26%

7

29

يا ميخذ القرد..

 

5

6

الطول طول النخلة..

26%

ـ

2

ثلثين الولد لخاله.

 

3

8

القرد بعين أمه..

25%

8

155

الطاقة اللي بيجيك

70%

 

مدارس خاصة أجنبية

المرتبة في القائمة رقم 1

رقم المثل

نص المثل

نسبة الشيوع

1

1

طب الجرة..

78%

3

8

القرد بعين أمه..

56%

8

12

أجا يكحلها عماها

44%

2

9

على قد فراشك

22%

7

9

يا ميخذ القرد..

22%

نلاحظ من القائمة رقم 10 ما يلي:

1. أن قائمة خمسة الأكثر تكراراً لدى خريجي المدارس الحكومية هي نفس قائمة العينة الكلية مع تغيير بسيط في مرتبة المثل رقم 28. هذا التشابه متوقع إذ أن خريجي المدارس الحكومية يكونون ما يزيد على 80% من العينة الكلية.

2. تختلف قائمة كل من خريجي المدارس الخصوصية المحلية والأجنبية عن قائمة خريجي المدارس الحكومية بشكل ملموس بينما تتشابهان إلى حد ما إذ تختفي الأمثال ذات المرتبة الرابعة والخامسة في العينة الكلية منها ويظهر فيها المثل رقم 29 (يا ميخذ القرد ..الخ).

3. يبقى المثل رقم 1 (طب الجرة..الخ) هو المفضل لدى جميع العينات الفرعية ولكنه يتكرر أكثر بكثير لدى خريجي المدارس الخاصة والأجنبية (78%) منه لدى خريجي المدارس الحكومية (61%) وخريجي المدارس الخاصة المحلية (85%).

4. تمتاز قائمة خريجي المدارس الخاصة المحلية عن القائمتين الأخريين باختفاء المثل 28 (القرد بعين أمه غزال) منها وبظهور المثلين رقم 160 (أجت الحزينة.الخ) ورقم 2 (ثلثين الولد لخاله) والذي احتل مرتبة تعدت المرتبة العاشرة لدى العينة الكلية. وكذلك ظهور المثل رقم 155 (الطاقة اللي بيجيك منها الريح..الخ).

5. تمتاز عينة المدارس الخاصة الأجنبية عن القائمتين الأخريين بظهور المثل رقم 12 (أجا يكحلها عماها).

* بعد التحصيل الأكاديمي للطلبة:

كان من ضمن المعلومات التي جمعت من الطلبة معدل علامات الطالب في التوجيهي ومعدل العلامات في الفصل الجامعي السابق, وقد قمنا بجدولة هذه المعلومات وتقسيم الطلبة حسب كل منها إلى ثلاث فئات, أصحاب العلامات المتدنية والمتوسطة والمرتفعة. ثم حاولنا التعرف على وجود أي ترابط بين هذين المتغيرين والمتغيرات بمعرفة الأمثال. وكنا قد توقعنا وجود مثل هذه العلاقة ولكن التحليل أثبت عدم وجود فروق ذات دلالة بين العينات الفرعية المختلفة من حيث معدل عدد الأمثال التي قدمتها أو نسبة الخطأ فيها أو الأمثال الخمسة المفضلة لدى كل منها ما عدا فرق واحد وهو أن مدى شيوع المثل رقم 1 (طب الجرة..الخ) كان أقل بكثير لدى أصحاب العلامات المرتفعة (43%) منه لدى أصحاب العلامات المتوسطة (75%) والمتدنية (61%). أما باقي الفروق فلم تتعد ما يمكن توقعه بالصدفة.

 

* الخلاصة:

كانت هذه الدارسة خطوة منهجية أولية نحو استكشاف إمكانية استعمال الأمثال الشعبية في الدراسات الاجتماعية. وقد حاولنا في هذه الدراسة معرفة فيما إذا كان هناك ارتباط بين المؤشرات الاجتماعية التي تحدد مجموعة ما وبين الأمثال الشعبية التي يعرفها ويستعملها أفراد هذه المجموعة. وقد وجدنا في هذه الدراسة أن هناك فعلاً فروقاً ملموسة بين معدل عدد الأمثال ونوعها التي يعرفها أفراد مجموعات معرفة حسب مؤشرات اجتماعية معينة وقد وجدنا أن بين المؤشرات أو الأبعاد الاجتماعية التي تظهر ارتباطاً ذا دلالة مع عدد ونوع الأمثال الشعبية التي يعرفها كل فرد بعد الجنس والدين ونوع البيئة الاجتماعية والمنطقة الجغرافية ونوع المدرسة التي تخرج منها الشخص وحقل التخصص في الجامعة.

كانت المؤشرات أو الأبعاد المستعملة في هذه الدراسة مؤشرات اجتماعية ويمكن طبعاً تكرار مثل هذه الدراسة مع استعمال أبعاد نفسية بدلاً من الأبعاد الاجتماعية وهذا طبعاً يتطلب مقدرة الباحث على تقسيم العينة الكلية إلى عينات فرعية تختلف عن بعضها حسب أبعاد نفسية, أي أن مثل هذه الدراسة سوف تتطلب تطبيق بعض أدوات القياس أو التشخيص النفسي على أفراد  العينة بالإضافة إلى جمع الأمثال الشعبية منهم ومن ثم فحص مقدار الارتباط بين الأبعاد النفسية ومعرفة الأمثال.

 وهذا ما نأمل عمله في دراسات لاحقة.

ـــــــــــــــــــــــــــ

أمثالنا الشعبية انعكاس لوجودنا الاجتماعي

علي عثمان

توطئة:

في الحديث عن واقع القيم في المجتمع العربي قرأت في كتاب <<المجتمع العربي>> ولقد اتجهت معظم الدراسات في المجتمع العربي, سواء ما كان من هذه الدراسات عربيا أجنبيا, إلى إبراز النواحي السلبية في نمط الشخصية العربية وإغفال النواحي الإيجابية عن قصد أو غير قصد, مما جعل أصحاب هذه الدراسات يصبون نقمتهم على نظام القيم السائدة باعتباره النظام المنحدر إلينا من تراثنا...

ثم بعد استعراض تاريخي سريع عزى ذلك الكتاب أن ذلك إنما حدث نتيجة للاتصال بالحضارات الأخرى والسيطرة والغزو الأجنبي ثم انتقل الكتاب ليدعم ذلك بقوله: <<... كما أدت روح الخوف من الاستبداد إلى انتشار قيم سلبية وضعت في شكل أمثال مثل>> من خاف سلم>>, اليد اللي ما بتقدر عليها بوسها وادعي عليها بالقطع, <<من أخذ أمي هو عمي>>.

وإن كنت لا أتعارض مع الكتاب من حيث أثر العزو الأجنبي, ولكني أضيف أن الواقع الاجتماعي لمجتمعنا ذاته يوازي بل يزيد أثره عن أثر الغزو الأجنبي في مثالنا, كما أن هناك أمثالا تنقص الأمثال المذكورة, فما السبب ومن أين جاءت, كيف نفسر وجود الطرفين في تراثنا.

إن مجتمعنا عدا عن أيام الغزو الأجنبي عرف تشكيلات اقتصادية اجتماعية, وكذلك عرف السيطرة الخارجية, وواقعه الاجتماعي والسيطرة الأجنبية أديا إلى سيادة نماذج من الأمثال التي تتناسب مع ذلك من الجانبين السلبي والإيجابي والأمثال إذن لم تأت اعتباطا بل أفرزها واقع اجتماعي معين, وهي نتاج مرحلة تاريخية معينة وبالتالي يمكن أن نفرز أمثال فرضتها أوضاع اجتماعية معينة إما يائسة نتجت عن استبداد الحكام والمستعمرين وعملائهم, وإما إيجابية مناهضة ثائرة ضد هؤلاء, وبلدنا فلسطين عرفت أشكال الحكم المستبد على اختلاف تاريخها كما عرفت الاستعمار والاحتلال وبالتالي عرفت التناقض وعدم الثقة بين الحكام والمحكومين. ومن هنا عرفت قيما سلبية وفي نفس الوقت فإن تراثها مليء بالأمثال التي تحض على الثورة على الاسبتداد بكافة أشكاله وكذلك الاستعمار.

لقد أدى الفقر والانسحاق وتعاقب قرون مديدة من القهر القومي والطبقي إلى <<مؤسسة كاملة>> للاستسلام والقدرية والخنوع عكست نفسها في الأمثال الشعبية السائدة كما يقول غسان كنفاني, الذي أورد من هذا النوع منها:

1ـ اللي بوكل من خبز السلطان بضرب بسيفو.

2ـ معك قرش بتسوي قرش.

3ـ البرطيل حل دكة القاضي.

4ـ الكذب ملح الرجال.

5ـ ألف قلبة ولا غلبه.

6ـ بعد حشيشي ما بنيت حشيش.

7ـ بيضة اليوم ولا جاجة بكرة.

8ـ حط راسك بين هالروس وقول يا قطاع الروس.

9ـ قد ابساطك مد رجليك.

10ـ كلب الأمير أمير, كلب الشيخ شيخ.

11ـ العز للرز والبرغل شنق حاله.

12ـ تاجرنا بالكفان بطلت الناس تموت.

13ـ أشد الوجعه, الحاضر.

14ـ اللي ما بيجي معاك تعال معو.

15ـ بركض وراء الرغيف والرغيف بركض قداموه.

16ـ الدنيا مع الواقف.

17ـ ا لأعمار والأرزاق بيد الله.

18ـ لبن العازة عكازة.

19ـ من زود الطفر شفنا البزقة شلنز

20ـ العين ما بتعلاش عن الحاجب.

21ـ أنا أول من طاع وآخر من عصى.

إن الأمثال الشعبية وأثرها في نظام القيم السائدة إنما تعكس بلا أدنى شك الظروف التاريخية والاجتماعية والاقتصادية التي مر بها مجتمعنا الفلسطيني عبر تاريخه الذي يمتد من أقدم العصور حتى يومنا هذا, ويمكن أن نقسم أمثاله الشعبية بشكل عام إلى قسمين:

أـ سلبية:  وجدت بفعل الانتماء الطبقي, والسلطات المستبدة, والغزو الأجنبي.

ب ـ إيجابية: وجدت في الظروف المعاكسة لذلك, بالإضافة إلى الانتماء الطبقي, أما التناقض بين الأمثال داخل التركيب الاجتماعي فأننا لا يمكن أن نفهمه جيدا إذا لجأنا للمقولات التي طرحناها في دراسة سابقة من هذه المجلة, من حيث التناقض في النفس الإنسانية ذاتها أو القدم والحداثة بالنسبة إلى مثل آخر, وإنما نجده على واقعه وحقيقة يعبر عن واقع معين إذا طبقنا القوانين الاجتماعية للمادية التاريخية, فإننا لا شك سنصل إلى فهم علمي دقيق لذلك, وفي ضوء هذه الاعتبارات والتقسيم المطروح أعلاه نبدأ.

أمثال سلبية ومحاولة شرح دلالاتها:

1ـ غلب الدولة مش غلب.

2ـ الكف ما بلاطع المخرز.

3ـ احفظ لسانك عند اختلاف الدول.

4ـ القط ما بلاعب الفار.

5ـ إن كان القاضي غريمك لمين تشكي.

إن الأمثال المذكورة, لا يمكن أن تنتج عن واقع اجتماع تكون فيه الدولة تعمل لصالح الجماهير, سواء أكانت نابعة من نفس الأصل الذي ينتمي إليه الشعب أو غازيه, ففي المثل رقم (1) نجد مفهوم السكوت على غلب الدولة, لأنها في نظره تغلب أيا كان ولكن السؤال المطروح من هم الذين يتحدثون عن هذا الغلب, إذا كانت الجماهير وهي كذلك في المثل رقم (1) فأن الدولة هنا تكون فاسدة والدولة الفاسدة تفسد جماهيرها, والعكس صحيح وخطورة السكوت تصبح ذات بال عندما تصبح من تراث الجماهير, ونفس الشيء يقال عن رقم (2) بل أن سلبية رقم (2) تغدو أكثر خطورة لأن فيه ترهيبا من النتائج المترتبة على أية حركة ضد السلطة التي تمسك المخرز في يد,لترهب اليد الجماهيرية عندما تكون خالية من سلاح يمنع المخرز من الظلم والعدوان, وهذا يجعل سيادة المثل رقم (3) في هذه الأحوال أمرا واقعيا, وطالما أن ابن الجماهير مجرد من السلاح الذي هو مقصور فقط على يد الدول, فعليه أنم يقف موقف المتفرج عند اختلافها وفي كلمة احفظ نجد معنى النهي والأمر, فعندما يكون الأمر عند طرفين يعطي المثل مفهوم النهي, لأن أي كلمة سيكون عقابها مريرا بعد أن يفرغ الأمر لأحد من الطرفين أصحاب القوة, ويصبح مفهومه الأمر عندما يستتب الأمر لأحد منهما. لأن الافتراس سيتم إن عاجلا أو آجلا لمن ينبس ببنت شفة, ويعطي المثل رقم (4) هذا المفهوم محذرا من أن القط, وهو القاضي, والذنب معه معروفة نتيجة سلفا كما في رقم (5) فإذا كان القاضي هو الغريم, فلمن تكون الغلبة؟ إن الجواب واضح.

إن السلطة التي تتعارض مع الجماهير وتتحكم بها تحاول أن تفرز تراثا يغلق كل مخرج, مما يؤدي إلى سيادة قيم سلبية تعبر عن نفسها من خلال التراث السائد ومنه الأمثال الشعبية, وهي قيم يمكن أن نتلمسها من هذه المجموعة من الأمثال.

1ـ اليد اللي ما ابتقدر عليها بوسها واعي عليها بالقطع.

2ـ بوس الكلب من ثمه وخذ حقك منه.

3ـ بوس الأيادي ضحك على اللحا.

4ـ الزمن اللي ما بيجي معاك تعال معاه.

5ـ حط راسك بين هالروس وقول يا قطاع الروس.

6ـ امشي الحيط الحيط وقول يارب الستيرة.

7ـ حب وداري وابغض وواري.

8ـ جبان والله يرحمه.

9ـ الصمت زين والسكوت سلامة.

10ـ الهريبة ثلثين المراجل.

11ـ لا تقعد مطرح ما بقولك قوم.

12ـ اللي تحت العصا مش زي إلى بعدهن.

13ـ النار ما بتسمط إلا اللي يخبط فيها.

14ـ الكذب ملح الرجال.

15ـ الزلمة بلا كذب زي الدالية بلا عنب.

16ـ يوم ع الدنيا ولا ألف تحتها.

17ـ ما أقرب النكبة من أهل العلم.

18ـ ما أقرب النكبة من أهل العلم.

19ـ زمارة تجمعهم وعصا تفرقهم.

إن هذه الأمثال لا يمكن أن تفرزها أوضاع اجتماعية التي استتجناها مما سبق من الأمثال, حيث أن مثل هذه الظروف تؤدي بالتأكيد إلى ازدواجية الشخصية عند الفرد فكسر شوكته تدفعه إلى إتباع أساليب ملتوية وتولد عنده قيما ملتوية سلبية مثل المدارة مع قناعته الذاتية بخطأ ذلك, إلا أن واقعه يدفعه إلى ذلك دفعا نتيجة للفساد الذي نجم عن سلطة فاسدة فيها بوس الأيدي وفي نفس الوقت الدعاء بأن تقطع تلك اليد من صميم القلب, وتغير الظروف والأوضاع الاجتماعية كفيلة بقطعة لها إن واتته الظروف لذلك.

إنها سلبية تبرز أكثر في رقم (2) إذا عرفنا أن الكلاب تلهث باستمرار لأنها لا تعرق, وبالتالي لا يوجد أنتن من رائحة أفواهها, ولا أنجس منها, وهو تشبيه يليق بالإنسان الذي يخرج عن إطار أمال وأماني شعبه, وسلطة كهذه الحال في اعتقادي لا يمكن أن يعيش بين ظهرانيا المتزلقون, وهو تزلف نجد له ما يبرره في مفهوم رقم (3) من حيث الوجود تحت حكمها وعدم المقدرة على تغييرها, يفرز واقعها مفهوم الضحك على اللحا وبالتالي يقضي على روح المبادرة والدفاع عن الحق الملغي من قاموس مثل خذه السلطة, ويبلور مفهوما أعمق سلبيا وهو المدارة العمياء دون جدل أو نقاش <<فالزمن الذي لا يأتي معك تعال معاه>>, مما تقضي كلية على شيء اسمه المبادرة الفردية ويخلق الجمود ويعيق التقدم, ويخلق الخوف الذي ينحدر إلى درجة الغيبية بحثا عن الطمأنينة, ويولد النفاق والرياء كما في رقم (7) وأي سلوك غير ذلك, أو نقد ما للأوضاع يؤدي إلى الموت, ومن هنا يفضل الجبن عليه, عندما يصبح لا مخرج ثالث لذلك كما في رقم (8), والصدى الحتمي لذلك هما <<الصمت والسكوت>> كما في رقم (9), والبديل الوحيد في حاله كغير هذه الحالة هو الهروب الذي يجعل مثل هذه الأوضاع ثلثي الرجولة كما في رقم (10), وبدون ذلك فالطاعة تبرز هنا بوجهها السلبي الشاحب كما في رقم (11) لأنه يقابل عكس هذا المفهوم لها العصا, وإلا من أين سمعنا في تراثنا <<العصا لمن عصا والعصا من الجنة>> وبالتالي تغدو التجربة أكبر برهان كما في رقم (12), ويبدو الواقع الناتج عن هذه الأحوال أكثر تعبيرا في رقم (13). مما يولد قيما في غاية السلبية, أساسها الواضح والصريح هو الكذب, الذي لا بديل للنجاة بدونه وتسود قيمة <<الغاية تبرر الواسطة>> كما في المثلين رقم (14,15), وبالتالي يصبح الحب الذليل للحياة هو النمط السائد في التراث كما في رقمي (8,16).

إن الإنسان ضمن هذا الواقع يصبح بين تصرفين واحد في المجتمع وأمام السلطة وآخر يناقصه في ضميره إذا كان ضميره إذا كان ضميره حيا بالفعل, لأنه ينتهي إلى أن وقوعه تحت أيدي المتحكمين في رقاب الجماهير, هو سببه لا أحد غيره, ولن يستطيع أحد إنقاذه حتى الله في مثل هذه الحالة كما في رقم (17), وطالما أن المتعلمين هم أقدر الناس تحسسا لمثل هذا الواقع, فأما أن يقبلوا الأوضاع على مضض وإلا فما أقرب النكبة منهم كما يقول المثل رقم (18).

فالجماهير بفعل هذه الأوضاع غدت كما في رقم (19) <<زمارة تجمعها وعصا تفرقها>> وإن سيادة مثل هذه الأمثال والقيم الناتجة عنها في التراث لا يمكن أن تكون إلا نتاج أوضاع اجتماعية أساسها القهر القومي والانسحاق الطبقي الذي يولد أمثالا موازية لها, ذات تأثير واضح وانعكاس قاتل في صميم قيم المجتمع. يمكن أن نلمسه في هذه المجموعة من أمثالنا الشعبية.

1ـ مطرح ما تأمن خاف

2ـ مثل اشباط ما عليه ارباط

3ـ مثل الحرباء بميت وجه

4ـ مثل البعر بدحدل على بعضه

5ـ بقتل القتيل وبمشي في جنازته

6ـ ألف قلبه ولا غلبه

7ـ يا نازل البير احسب الطلوع

8ـ ندب حالنا عن الحيطان ونقول يا قضا الرحمن

9ـ الندم على السكوت خير من الندم على الكلام

10ـ إن كان راسك من شمع ما تمشي في الشمس

11ـ عين ما تقشع (تشوف) قلب ما يحزن

12ـ لا يموت الذيب ولا يفنين الغنم

13ـ مات وما شنقوه قالوا على الجهتين مات

14ـ المغلوب بشبعش غلوب

15ـ حامل السلم بالعرض

16ـ لحم كلاب في الملوخية

ماذا عندما تسود في المجتمع قيم أساسها الشك؟ هل هذا الواقع يخلق من العدم؟ بالتأكيد لا, لو لا الظروف السائدة كانت هي السبب لما وجدت هذه السلبيات التي تجعل الشك والخديعة من الأحوال السائدة في ثقافة المجتمع وتراثه, حيث الشك على مستوى المجتمع, والثقة من أن السلطة ليست محل أمان لا لأنها  ك<<البعر بدحدل على بعضه>> مما يفرض على الناس ليست حسب مقتضيات الظروف كالحرباء, وتسود في هذه الحالة الابتعاد عن كل الظنون حتى يغدو في قيم المجتمع قتل القتيل ثم المشي في جنازته أمرا مقبولا, والقبول للذات بنفس الواقع فمهما يحدث ليس مهما, المهم أن لا يغلب الإنسان بأي حال من الأحوال كما في رقم (6) وهذا يعكس واقعا أليما على جرأة الإنسان حتى تغدو الجرأة كحال المخاطرة بالنزول إلى آبار الماء مع التحسب من عدم استطاعة الصعود منه, أكبر من ذلك وكان في الأمر إذا حدث عكس إرادة الفرد الموت المحقق, كما في رقم (8), فمن الذي يرمي نفسه إلى التهلكة ثم يقال بعد ذلك أنه قضاء الله وقدره؟؟

وبالتالي يصبح الفعل دون الكلام بجانبيه السلبي والإيجابي أمرا مقبولا لأن الفعل إن لم يحدث يكون السكوت عليه أمرا لابد منه, فالشك يخرس الألسن ويشجع على الضرر إن كان الشك قيمة يقدرها المجتمع وتفر منه أوضاع الناس لأن العمل حتى ولو كان في صالح الجماهير. إذا انكشف لا يمجد من يفعله بل يحبط أيما إحباط كما في رقم (10). <<إن كان راسك من شمع ما تمشي في الشمس>> أي مالذي دفعك للفعل دون الإقرار به مهما كان صحيحا, لأن الشمس تذيب الشمع وتبدد الضباب وتبقى شمسا لا يغير من واقعها شيئا.

الأمر الذي يولد السلبية الخالصة في حياة الجماهير, وعدم التأثر بالأحداث وعدم الاكتراث بالاتجاه الذي تذهب إليه كما في المثلثين رقم (12, 11) ويصبح للموت في نظر الناس معنى واحد لا غير مهما تعددت أسبابه, مما يجعل طلبه في أمر حقير أو أمر عظيم سواء بسواء, وحتى أن المجتمع تسود فيه حالة غالب ومغلوب وكأنها قدر يؤمن به أو يقنتع به, وتسود حالة تثبيت العزيمة طالما أن النتيجة تكون غير الغلب لمن يتحرك, ويجب على الإنسان أن لا يفعل شيئا, ومن يصبح في أوضاع اجتماعية كهذه كمن يحاول حمل السلم بيد واحدة من عرضه, وحتى وإن استطاعت المعارضة أن تصطدم بالأوضاع المفروضة, وإن وصل الاصطدام إلى درجة القتال والموت, فإن الشك الذي أغرس في نفس الناس من الواقع الاجتماعي الذي أفسدته السلطة يرون في القادمين وإن تغلبوا عليها نفس  الصورة عندما يرددون بلا مبالاة ولا اكتراث <<لحم كلاب في املوخية>> وهو مثال يقال في حالة الصراع بين الأغنياء على مستوى الجماهير وبين المستعمرين على مستوى أعلى في أغلب الأحيان, وهو يقال بذات المعنى في أيامنا الحالية ولن يكون غير هذا المعنى في الأيام الماضية سواء في أيام الصراع بين السادة على الرقيق والأرض أو السادة الإقطاعيين على الفلاحين والأرض, أو سادة رأس المال في أيامنا الحالية, ومجتمع تناحري كمجتمعنا تعرض للنهب والغزو والتآمر ولا يزال يتعرض لذلك لا يمكن لمثل كهذا إلا أن يكون ساطعا ومعروفا بين الكميات الهائلة من الأمثال التي يحتويها تراثه الاجتماعي, ولكن أثره يكون على جانب مؤلم إذا استعمل في ظروف اجتماعية أخرى ضد مصلحة الجماهير ذاتها, وفي نفس الوقت يستعمله أعداء الأمة والجماهير حسب المنظور الذي يدخل فيه إلى مفاهيمهم, فالتراث مشترك ولكن النظرة إليه تعطيه أكثر من دلالة في بعض الأحيان, وإني أدعو القارئ إلى قراءة قصة الزلزال للطاهر وطار, التي يستند فيها الشيخ عبد المجيد أبو الأرواح للدين والتراث ليبكي أيام المستعمر الفرنسي, ويدعو بالغناء للجماهير حتى لا تؤمم الأرض التي سلبها من الناس سلبا, والمهم هي الرؤيا التراثية والدينية أو الجانب الذي كان يفسر به التراث والدين وفق هواه, والجماهير التي اصطدم مع واقعها دون أن يقتنع به وهو في آخر لحظة أمام الواقع هي في نظرة أحجار واد لا تصلح إلى أن نمر فوقها (9) مع أن القناعة مطلقة سواء على مستوى التراث أو غيره وهي صحة قوله ولكن ضمن الرؤيا الحقيقية ما يبقى في الوادي غير حجارة (10), أي مهما علا النزيف فلا يمكن للحق إلا أن يعلوه ومن هنا فالسلطة تقدس القيم ولكن من وجهها السلبي وتشرحها وفق مفهومها السلبي وكأنها حقائق واقعة لا يمكن أن تعمل على تغيير الأوضاع إلى إذا غيرتها الجماهير ذاتها, فما الذي أوجدته الجماهير بنضالها ضد القهر القومي والطبقي في تراثنا؟ وهذا ما ستجيب عليه الأمثال التالية:

أمثال إيجابية ومحاولة شرح دلالاتها:

إن التراث كما قلنا هو تعبير عن ظروف اجتماعية معينة, وما يدور في هذه الظروف من علاقات مختلفة بين الناس, فسلبية بعض الأمثال جاءت نتيجة واقع وظروف اجتماعية ساد فيها القهر والكبت والغنى والفقر والتسلط وما أدى إلى ذلك وظروف انتحارية كهذه هي أفضل الظروف كلما تأزمت وتعمقت لتفريغ واقع مضاد لها, وهل الأخرى تخلق تراثا جديدا كصدى لما يحدث, وبالتالي فالأمثال الإيجابية هذا الجانب من الماضي لتغذية الحاضر والتمهيد للمستقبل هو المادية التاريخية التي تناولت قضية انعكاس الوعي الاجتماعي للبشرى عن الوجود الاجتماعي لها في مختلف عصورها, وهذه طائفة من الأمثال التي تولدت عن الظروف الاجتماعية المضادة للظروف السابقة في تراثنا شعبنا الفلسطيني.

1ـ السور الواطي كل الناس بنطوه.

2ـ لكل عصر قوم ولكل قوم يوم

3ـ خلقة باب برد الكلاب

4ـ الهوش الهوش ولا يقولوا ذلوا

5ـ الموت مع الجماعة رحمة

6ـ أكثر من القرد ما مسخه ربه

7ـ ما بنزل الوسط إلا النذل والخايف

8ـ الموت مر والشرادة فضحية

9ـ ميت وزير ما تطلقوا مرت فقير

10ـ ضعيفين قتلوا قوي

11ـ الكثرة غلبت المراجل

12ـ تمسكن حتى تتمكن

13ـ الموت ولا المذلة

14ـ اللي بصير نعجة بتوكله الذياب

15ـ ألف عدو برا الدار ولا واحد جواها

16ـ المبلول ما بخاف من رشق المطر

17ـ اللي بسقط من السما بتتلقاه الأرض.

إن كرامة الأمم تتوقف على حمايته لنفسها من المعتدين وهنا كان مفهوم المثل رقم(1), فعندما تكون الأمة بلا سياج فإنها ستغدو مطعما للأعداء, وإن مرت الأمة في ظروف كهذه فلن يبقى هذا الوضع أبديا, بل يجب العمل على تغييره كما في رقم (2) إذ لابد للأمم أن تنهض من كبواتها, لتعيير الظروف التي كانت سببا في فتح الثغرات في سورها, إذ لكل قوم يوم, وكأن المثل يقول, الدنيا يومان يوم لك ويوم عليك, ومثل هذه الشكوى تبلور مفهوم الدعوة إلى التغيير نحو الأفضل كما في رقم (3) <<خلقة باب برد من الكلاب>> إن وجود باب وإن كان في البداية تميز قوى تماما فإنه على الأقل يحمي الأمة حتى تستطيع من إحكام أبوابها أمام الغزاة والطامعين.

ونجد المفهوم والدعوة إلى ذلك تتبلور أكثر في المثل رقم (4) وهو الدعوة إلى الدفاع خشية الوقوع تحت وطائلة الذل, ولو أدى إلى الموت, وتسود في وسط الأفراد أن لا حياة بدون الجماعة, فالموت مع المجموع أفضل بكثير من الحياة بدونها لأن الفرد بلا جماعة, بلا شعبه لا تسوي حياته شيئا بعد ذلك.

ونجد الروح الثورية تبرز أكثر في المثل (6) فعلى ماذا يخاف الإنسان إذا ما تعرض كيانه للخطر المحقق؟ بالطبع يشطب الخوف من قاموسه في مثل هذه الحالة جريا مع أكثر المخلوقات مسخا في تراثنا وهو القرد؟؟ <<أكثر ما مسخه ربه>> وهنا يأتي دافع التضحية إلى الدعوة نحو الوصول إليها, بأن مركز الإنسان الحقيقي في هذه الظروف هو بداية الصفوف وأطرافها لأنه لا يشاهد في وسط الناس في حالة سيادة في مثل هذه الأحوال النذل والخائف كمنا في المثل رقم (7,) كما نلمس الدعوة إلى الشباب إلى النهاية فصحيح أن الموت مر أمر العلقم ولكن هناك جانب آخر فيه الخزي والعار وهو الهروب كما في المثل رقم (8).

إن قدرة الإنسان لا يمكن أن تقهر إذا صمم على العمل والتصدي للمعتدين مهما كانت قوتهم, فالإيمان شرط ضروري, لدفع غائله الشر والعدوان, ومن هنا فإن مائة وزير أما هذه الوضع لا يمكن أن يطلقوا من فقير زوجته كما في رقم (9).

إن الضعيف أساسه التفسح والتفرق ومن هنا فالضعف حالة يمكن تلافيها بالتجمع والتآزر وبالفعل إنه بإمكان الضعيفين أن يقهروا القوة إذا ما اتحدا ضدها كما في رقم (10), فالمجتمع مهما كان ضعيفا إذا ما تبلورت فيه مفاهيم الوحدة والتآزر فإنه في النهاية لاشك سيقهر كل سلطة ظالمة وسيدمر كل غزاة مهما كان عليه هؤلاء من قوة, وكثرة كهذه لا شك أنها ستقهر أية قوة مهما كانت تفخر بمراجلها وقوتها كما في رقم (11).

إن التراث لا يدعو إلى الفهلوية في العمل, فلا بأس من استخدام كل الأساليب التي تخدم المجموع وتقهر العدوان, وبالتالي لا مانع من أن يتمسكن الإنسان حتى يتمكن, أي حتى تواتيه الظروف لرفع سيفه على من سلبوه حقوقه ومن ثم استعادة حريته المسلوبة, ومن هنا فالقوة بحاجة إلى ذكاء والذكاء عامل حاسم في الوصول إلى الهدف كما في رقم (12).

إن المثل يكره الذل ويفضل الموت للإنسان على الذل ويستحضرني في ذكر المثل رقم (13) قول عنترة العبسي.

لا تسقني كأس الحياة بذلة                          بل فاسقني كأس الموت الحنظل

والحنظل نبات يشبه البطيخ وكذلك ثمرته تشبه ثمرة البطيخ, ولا يتجاوز حجمها ملء اليد الواحدة, وهي مرة علقمية لا يوجد في الدنيا أمر منها, ويكثر وجودها في صحارينا العربية في الأماكن القريبة من الرطوبة والمياه وعلى حواف مجاري الماء التي قد تسيل مياهها أحيانا في الشتاء وتجف صيفا.

إن الإنسان بين ذئاب يجب أن يكون ذئبا مثلهم لا حملا لأنه إن أصبح كذلك أكلته الذئاب كما في رقم (14). ومن هنا عليه أن يكون أسد لا يسمح للأسود أن تشاركه عرينه, فوطنه له وحده لا لغيره وهنا يأتي المثل قم (15), <<ألف عدو برا الدار ولا واحد جواها>> أي ألف عدو خارج البيت أفضل من عدو استطاع أن يدخل إليه, لأنه دخل سيخرج صاحب البيت منه, الأمر الذي يحتم على صاحب البيت الاندفاع بقوة وإخراج هذا العدو, لأنه بعد دخول البيت لم يعد هناك شيء يخاف عليه الإنسان, فهل يخاف المبلول حقا من رشق المطر؟ كما في المثل رقم (16).

إن عليه والحالة هذه أن لا يردعه رادع في عمل أي شيء, لأن العدوان وصل مرحلة لا تسمح لسيادة أي قيمة فالإنسان إن رضي بذلك فقد كل قيمة ومن هنا كان دقيقا معنى المثل (17) <<اللي بسقط من السما بتتلقاه الأرض>>.

إن التراث هنا لم يأت من العدم, بل هو تجارب وخبرات استقرت في ذاكرة الأمة لتستفيد منها في تاريخها والإنسان الذي لا ينظر للتاريخ على أنه وعاء للتجربة الإنسانية هو ليس من تجارب أسلافه, والحيوانات لا تعرف تجارب أسلافها, وأمثالنا الشعبية لا يمكن أن تكون إلا انعكاسا لوجودنا الاجتماعي.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

المثل الدراج في فلسطين مصدره وروافده

د. عمر شكارنة

تعريف المثل الدارج وسماته

ما هو المثل؟

المثل جملة استوعبت حكمة الشعب, ونظرته لطبيعة العلاقات الإنسانية, بل هو فن من الفنون الأدبية النثرية, ولكنه أوسعها انتشارا بل أكثرها دورانا على الألسنة ووثوبا إلى الذاكرة. لأنه غرس الحكمة وابن الخبرة ومقياس الأدب, والحل الحاسم لكثير من أوجه الأشكال, ومرآة لكل قوم يصف أخلاقهم وعاداتهم وشاهد عدل على لغتهم. فهو ينبع من طبقات كلها دون أدنى تفريق أو تميز. ومن هنا جاءت أهميته في الدراسات الاجتماعية واللغوية والأدبية والتاريخية.

تعريف المثل:

(ائتلاف واختلاف في زوايا الرؤية)

أتفق القدماء والحدثون في بعض جوانب تعريفهم للمثل اختلفوا في جوانب أخرى لاختلاف زوايا الرؤية: فكل ينظر إليه بمنظار الخاص الدال على وجهة نظره الخاصة. ولذلك كثرت تعريفاته تبعا لذلك وكثرتها يدل على اختلاف وجهات النظر من ناحية ولعدم استطاعة التعريف الواحد من الإحاطة والشمول بسماته شكلا ومضمونا من الناحية الأخرى.

ومرد ذلك أن العلوم الإنسانية بشكل عام يصعب تحديد مصطلحاتها بتعريفات جامعة مانعة في كل أمة وفي كل زمان ومكان.

ولعل المتتبع لتعريفات المثل التي ابتدعها الأدباء والباحثون لغة واصطلاحا, يصل على نتيجة مؤداها أنها إذا ما ضمت على بعضها بعضا فإنها تعطي نوعا من التكامل اللغوي والأدبي الذي يكشف عن الجوانب المختلفة ويمثل وجهات النظر المتباينة يوضح السمات البارزة للمثل ولهذا فإنه وجد من الضروري استعراض بعض ما يلزم منها للوصول على ماهيته لغة واصطلاحا شكلا ومضمونا فصيحا كان أم دارجا:

 أولا: المثل لغة:

يقول ابن منظور: (مثل بكسر وسكون ومثل بفتحتين وشبه وشبه بمعنى واحد) وقد أورد له عدة معان لغوية اقتبسها من القرآن الكريم منها: (العبرة, والآية, والصفة). ويؤكد الفيروز ابادي في معجمه بعض تلك المعاني كالصفة ويزيد كذلك ( الحجة والحديث). وجاء في دائرة معارف القرن العشرين: (مثل) الرجل بين يديه يمثل مثولا: قد منتصبا ... وماثله شابهه وتماثل الشيئان: تشابها. وهناك معان أخرى لكلمة مثل وما اشتق منها لا داعي للتفصيل فيها. وقد أكد كل من الميداني وأبي هلال العسكري والمبرد في مجمع الأمثال معنى التشابه والتشبيه والتمثال والمثول.

ثانيا: المثل اصطلاحا

من جاس خلال المعنى اللغوي للمثل تبين له أن يعني المثول الذي يعني الانتصاب والقيام, فكما يمثل المرء أمامك بجسده قائما منتصبا, كذلك يمثل المعنى للمثل في ذهنك وينتصب في نفسك ويقوم في تفكيرك والتماثل والتشابه وعليه فالمثل أذن:

( هو انتصاب صورة في الذهن تشبه صورة أخرى واقعة يعبر عنها بألفاظ معينة, لا تتغير صيغتها مهما انتصب من الصور المشابهة الأولى سواء أكان التشابه قريبا أم بعيدا.

وهذا التعريف ينطبق على المثل الفصيح. وهو مستمد أصلا من التعريف اللغوي للمثل. وبالتقدم خطوة أخرى إلى الأمام في التعريف الاصطلاحي تقفز أمام الباحث عدة تعريفات أخرى لبعض الأدباء والعلماء الأعلام منها:

أ ـ تعريف العرب القدماء أو من يليهم للمثل الفصيح:

1ـ قال إبراهيم النظام المتوفي (221هـ):

 (يجتمع في المثل أربعة لا تجتمع في غيره من الكلام هي: ـ إيجاز اللفظ, وإصابة المعنى, وحسن التشبيه, وجوده الكناية. فهو نهاية البلاغة) وهذا التعريف يركز على الجانب البلاغي للمثل دون الاهتمام بالجوانب الأخرى التي ستبدو لك في التعاريف الأخرى.

2ـ وقال ابن عبد ربه المتوفي (328هـ):

والأمثال هي وشي الكلام وجوهر اللفظ وحلي المعاني والتي تخيرتها العرب, وقدمتها العجم, ونطق بها في كل زمان على كل لسان فهي أبقى من الشعر وأشرف من الخطابة لم يسر شيء كسيرها ولاعم عمومها حتى قالوا: (اسير من مثل).

قال الشاعر:

ما أنت إلا مثل سائر                                     يعرفه الجاهل والخابر

وهذا ليس بتعريف بقدر ما هو وصف له وتدليل على أهميته وتركيز على الشكل دون المضمون.

3ـ وقال الفارابي المتوفي (539هـ):

المثل ما تراضاه العامة والخاصة في لفظه ومعناه حتى ابتذلوه فيما بينهم وفاهوا به السراء والضراء, واستدروا به الممتنع من الدر, ووصلوا به على المطالب القصية, وتفرجوا به عن الكرب والمكربة, وهو من أبلغ الحكمة, لأن الناس لا يتجتمعون على ناقص أو مقصر في الجورة, أو غير مبالغ في بلوغ المدى في النفاسة).

وهذا التعريف أكثر دقة وشمولا ووضوحا من سابقيه في تحديد المفهوم العام للمثل. إلا أنه لا يحدد الشكل والمضمون تحديدا واضحا بل يخلط بينها وبين الأهمية.

4ـ وقال أبو عبيد:

(الأمثال حكمة العرب في الجاهلية والإسلام, وبها كانت تعارض كلامها فتبلغ بها ما حاولت من حاجاتها في المنطق بكناية غير تصريح فيجتمع  لها بذلك ثلاث خلال: إيجاز اللفظ, وإصابة المعنى وحسن التشبيه. وقد ضربها النبي (ص) وتمثل بها هو ومن بعده من السلف. وهذا التعريف أيضا يهتم بالشكل دون الجوهر, ويعرج على الوصف.

5ـ وقال المرزوفي المتوفي (عام 421هـ):

(المثل جمعة من القول مقتضبة من أصلها, أو مرسلة بذاتها فتتم بالقبول وتشتهر بالتداول, فتنتقل عما وردت فيه إلى ما يصح قصده بها من غير تغيير يلحقها في لفظها, وعما يوجبه الظاهر إلى اشباهه من المعاني, فلذلك تضرب وإن جهلت أسبابها التي خرجت عليها, واستجيز منها الحذف في ضرورات الشعر ما لا يستجاز في سائر الكلام) ومن أكثر شمولا في تحديد مفهوم المثل وصفاته من التعريفات السابقة.

وبناء على تلك التعريفات يستطيع الباحث أن يخرج بحصيلة من السمات البارزة للجملة المثلية لدى القدماء وهي:

1ـ إنها غلبت الجانب اللغوي والأدبي على الجانب الموضوعي.

2ـ سيروتها بين الناس وتعميمها.

3ـ إنها أعطت الجانب البلاغي أهمية كبيرة.

4ـ أهميتها بالنسبة لغيرها من فنون القول والاهتمام الزائد بها من قبل الناس في كل زمان ومكان.

5ـ لا يجوز تغييرها أو الحذف منها إلا لضرورة شعرية.

6ـ يقصر استخدامها عند الكتابة في الغالب الأعم ـ على التحلية الأسلوبية. فلم تكن غاية للدرس والاقتصاد, بقدر ما هي وسيلة من وسائل التدعيم بالحجة مضمونا وبتجميل الأسلوب شكلا.

7ـ استخدامها في حالات خاصة للتلميح بها.

تلك بعض تعريفات القدماء والسمات التي تجتمع فيها أما المحدثون فتقدم بعض تعريفاتهم أيضا لتتكشف جوانب الاختلاف والائتلاف.

ب ـ تعريف العرب المحدثين للأمثال الدارجة:

لقد عرف القدماء المثل الفصيح وظهرت في تعريفاتهم سماته العامة, وهنا استعراض لبعض تعريفات أدباء وبحاثة من العرب المحدثين. الذين تعرضوا لدراسة الأمثال أو جمعها (وبمقارنة النظرة الحديثة مع القديمة يمكن استخلاص أهم الصفات المؤتلفة والمختلفة بينها. للتدليل على اختلاف وجهات النظر ودرجة الاهتمام من قوت لآخر ومن باحث لآخر أيضا, والتبعية أو الاستقلالية وما على ذلك).

1ـ قال أحمد رشدي صالح:

(أن المثل هو هذا الأسلوب البلاغي القصير الذائع بالرواية الشفاهية المبين لقاعدة الذوق أو السلوك أو الرأي الشعبي, ولا ضرورة لأن تكون عباراته تامة التركيب بحيث يمكن أن نطوي في رحباه التشبيهات والاستعارات والكنايات التقليدية).

2ـ بينما يقول عبد اللطيف الدليشي:

المثل أدب قائم بذاته سواء ما كان منه شعبيا أو فصيحا, يمتاز بقصر العبارة ووضوح المعنى وسهولة فهمه وحفظه وحب التمثيل به, كما أنه تعبير حر صادق عن طبيعة العصر في نظمه السياسية وعاداته الاجتماعية ومعتقداته الروحية ومثله وأهدافه).

3ـ بينما يعرفه الشيخ محمد رضا الشبيبي في تقديمه لكتاب الشيخ جلال الحنفي (الأمثال البغدادية) يقوله:

 ـ (الأمثال في كل قوم خلاصة تجاربهم ومحصول خبرتهم, وهي أقوال تدل على إصابة المخ وتطبيق المفصل هذا من ناحية المعنى أما من ناحية المبنى فإن المثل الشرود ويتميز عن غيره من الكلام بالإيجاز ولطف الكناية وجمال البلاغة. وهي ضرب من التعبير عما تزخر به النفس من علم وخبرة وحقائق واقعية بعيدة البعد كله عن الوهم والخيال.

4ـ ويعرفه أحمد أمين بقول:

( المثل نوع من أنواع الأدب يمتاز بإيجاز اللفظ وحسن المعنى ولطف التشبيه وجودة الكناية ولا تكاد تخلو منه أمة من الأمم. وميزة الأمثال أنها تتبع من كل طبقات الشعب).

5ـ ويعرفه خالد سعود الزين بقوله: (المثل هو القول السائر المطلح عليه بين عامة الناس وخاصتهم, لتعريف الشيء بما سبقه من حوادث مشابهة أو مما قاله ذوو التجربة والعقلاء من الفلاسفة والمفكرين).

6ـ ويعرفه الدكتور كمال نشأت بقوله: (ينعقد الاجتماع على أنه حكمة شعبية شفهية مجهولة القائل لها طابع تعليمي من حيث الموضوع, ولون من التركيز من ناحية الصياغة وإن هاتين الخصيصتين ساعدتا المثل الشعبي على الذيوع والانتشار.

تلك بعض تعريفات القدماء اتبعت بتعريفات أخرى لبعض المحترمين لكلمة مثل الفصيحة الدراجة فماذا يستنتج منها؟

لقد نظر الأدباء والباحثون العرب ومن يليهم إلى المثل من خلال ثقافتهم ومعارفهم وعصورهم المختلفة ورغم محاولتهم جميعا تأكيد تعريف معين إلا أن استعراض مجموعة التعريفات السابقة تبين أنه يوجد نوع من التكامل اللغوي والأدبي بينها فلقد وضع الأدباء والباحثون أيديهم على ركنين أساسيين هما الإيجاز والتركيز والشيوع والانتشار. فقد سلموا بأن المثل قول موجز شائع بين الناس, وحاول كل منهم أن يضيف إليها ما يزيده وضوحا ويميزه عن غيره من سائر الفنون القولية.

ولم تخل تعريفات بعضهم من أوصاف عامة للمثل إضافة إلى تحديد ما هيته وشكله. ويمكن استنتاج خصائصه أخرى للمثل إضافة على ما ذكر من خلال تعريف الشبيبي لتتمثل في كونه خلاصة التجارب ومحصول الخبرة وأنه يحتوي على معنى يصيب التجربة والفكرة في الصميم.

كما أن بعض تعاريف المحدثين قد استحدثت أصولها أو فروعها من تعاريف القدماء كتعريف  أحمد أمين المستمد من تعريف النظام في جزء كبير منه. وأن بعضهم قد خلط بين المثل والحكمة ونسي أو تناسى ما بينها من خلاف ويبدو ذلك واضحا في تعريف كمال نشأت بيد أنه قد يرمز بين المثل الفصيح والدارج حين قال بأنها شفوية ومجهولة القائل. وهناك اتجاه في تعريفات المحدثين يتمثل في اهتمامه بالجانب الموضوعي وزيادة على الجانبين الأدبي واللغوي ولعل هذه النظرة مستمدة من نظرة الأفرنج لتعريف المثل التي تلاحظ بوضوح في تعريفاتهم التالي:

 

ج ـ تعريف الأفرنج للمثل:

عرف الأفرنج المثل بشكل عام في الموسوعات والمعاجم كما عرفه بعض الباحثين منهم بشكل خاص في مؤلفاتهم.

وباستعراض ما جاء من تعريفات بعضهم للوقوف على وجهة نظرهم العامة والخاصة من خلال تلك التعريفات: ـ

نورد أولا:

 

تعريف الموسوعات والمعاجم:

1ـ تعرفه دائرة المعارف البريطانية بقولها:

المثل جملة قصيرة موجزة مصيبة المعنى شائعة الاستعمال.

2ـ أما دائرة المعارف الأمريكية فتعرفه بقولها: هو جملة قصيرة مصيبة المعنى تستحضر بدقة الحقيقة الشائعة وتتولد أساسا في المجتمعات الأولى بأسلوب عامي غير أدبي وتكون شكلا (فولكوريا) شائعا في كل الأجيال).

3ـ وتعرفه دائرة المعارف الفرنسية فتقول: (بأن الأمثال أصداء للتجربة, والمثل هو اختصار معبر في كلمات قليلة أصبح شعبيا).

4ـ وتعرفه دائرة معارف معجم العالم بقولها: ( المثل الشعبي هو القول القصير الشائع الذي يجمع  حقائق مألوفة أو أفكارا مفيدة في لغة معبرة).

5ـ ويعرفه معجم آخر بأنه: قول قصير شائع منذ زمن يعبر عن حقيقة معروفة أو فكرة مفيدة بلغة معبرة).

وبالنظر في هذه التعريفات السالفة الذكر يجد الباحث أن قد حددت بعض خصائص الحملة المثلية التي تمثل وجهة النظر الإفرنجية العامة: وقد اتفقت فيما بينها في تلك النظرة تقريبا وهذه الخصائص هي: ـ

1ـ الإيجاز.

2ـ إصابة المعنى ووضوحه.

3ـ الشيوع.

4ـ التميز الطبقي.

5ـ الأسلوب العامي.

6ـ إنها أصداء للتجربة الشعبية.

7ـ إنها ذات صبغة تهذيبية تعليمية.

8ـ هذا بالإضافة إلى البعد الزمني المجهول.

وهذا يبدو أنها غلبت الجانب الموضوعي على الجانبين الأدبي واللغوي بيد أنها لم تهملهما. فهل تتفق النظرة العامة تلك مع النظرة الخاصة؟ وسيتضح ذلك من سياق بعض تعريفات باحثين لا يمكن إغفال دورهم في تقنين الجملة المثلية وتوضيح مفهومها لتكمل النظرة بمختلف جوانبها.

 

كيف نشأت الجملة المثلية؟

قبل الإجابة على هذا التساؤل يجدر بنا أن نرجع إلى الوراء لتتذكر تعريف المثل الدارج  وخصائصه الخاصة والعامة لتعرف (مفهوم الجملة المثلية التي ارتبطت في نشأتها ارتباطا حسيا ومعنويا بمجموعة من المسلمات الدينية والمعتقدات الشعبية الناتجة عن الخبرة الحياتيه المباشرة أو غير المباشرة للإنسان الفلسطيني ضمن بيئته وظروفه الحياتية الأخرى المؤثرة. فما الجملة المثلية سوى تعبير عن حياته من فيض عاطفته ووهج روحه, وكلتاهما هبة الله لا اله تفتقران إلى معاناة العلم ومكابدة الدرس ولا تتوقفان على اكتساب الأقلية المنطقية التي تتحقق بها ظواهر وطبائع الأشياء, بقر ما هي سجل للعادات والتقاليد والأعراف لأدق حياة الإنسان على مر العصور, فلكل مثل قصه تقريبا ولكن من يعرف قصة كل مثل؟ وبخاصة تلك التي انحدرت من عصور سابقة متغلغلة في القدم. فقد ضاعت القصة وبقي المثل معبرا عن فحواها, كما أنه قد ينشأ عن حادث تاريخي أو نشيدا أو حكمة أو شعر أو تلفيق شخصية أو ما شابه ذلك من صور الحياة. ومع الأيام ضاع بعض هذه القصص والحوادث والتلفيقات وبقيت الأمثال عنها تدور على ألسنة الناس ولم تكن في نشأتها تلك اعتباطية, بل كانت تظهر لدواعي الحاجة إليها وإليك بعض النماذج من الأمثال الدارجة وكيف نشأت.

 

1ـ المثل الناشئ عن قصه: ـ

والمقصود بالقصة هنا المروية في كتاب أو المتداولة على ألسنة الناس وهو ناشئ عن قصة أو أسطورة أو طرفه أو خرافة ذكرت في كتاب مقدس كالتوراة والإنجيل والقرآن أو نيتت في خيال القصاصين ولا علاقة لها بالمواقع. وإليك قصة مثل متداولة بين الناس في منطقة الخليل: <<باع رجل أخصب قطعة أرض ورثها عن والده تدعى <<البصه>> وقد قصت بأشجار الفاكهة المثمرة من كل نوع يزرع في تلك المنطقة. وقد كان يضرب بها المثل في خيراتها وكان السبب المباشر في البيع تحصيل مهر وتكاليف زواجه من حسناء أحبها قلبه وهام بها غراما. ولما كانت الأرض أعز ما يملك الإنسان الفلسطيني وأن بيعها يعتبر جريمة في العرف الشعبي, فقد جاء العزال يلومونه على ذلك البيع, وأشبعوه لوما واستنكارا. ولم بنبس ببنت شفة وأخيرا نطق بالقول: (ليلة من لياليها ابتسوى البصة أوما فيها) وذهب قوله مثلا يضرب في كل من يبيع غالبا بأغلى منه لأنه (لا يسد في الأرض إلا العرض) وبالعكس. وهنالك أمثال كثيرة ذات علاقة بقصص تنشأ عنها فمنها قصة المثل المشهور للمنجمة عصفور وزوجته جراده (لولا جراده ما وقع عصفور).

وهناك قصص خيالية إلى جانب القصص الواقعية حيث تروى على ألسنة الحيوانات: ومنها إنها اجتمعت الحيوانات ذات مرة على برذون ليأكلنه, بناء على أنه أكبرها سنا. فصاروا يسألون بعضهم بعضا: كم عمرك؟ فيذكر المسؤول عددا أقل من عمره الحقيقي فسألوا البرذون وقد عرف بالمكيدة فأجابهم: تاريخ ولادتي مكتوب على حافري الخلفي: ورفع رجله وقال: تفضلوا اقرأوا وكلما دنا أحد الوحوش رفسه رفسة تطير دماغه, فبقي الثعلب. فدعاه البرذون. فأجابه: (الله يرحمه أبوي اللي ما علمنيش القراية) معتبرا بما أصاب غيره.

 

2ـ المثل الناشئ عن حادث:

 وقد يكون الحادث واقعا فعلا أو متخيلا, واليك مثال على المثل الناشئ عن حادث وقع فعلا: كان عمار وعميره قد زار آختهما المتزوجة في قرية أخرى غير قريتهم كالعادة المتعبة في صلة الرحم, فقاما وهما في طريقهما إليها بأعمال مشينة يندى لها الجبين, وكانت موضع خزي لأختهما حيث انتشر خبر العمل المنكر الذي اقترفاه بين الناس. فلما سئلت عن رأيها فيهما قال: (ما أطقع من عمار إلا عميرة) وذهب قولها مثلا في معرض المفاضلة بين سيئين.

 أما بالنسبة للمثل الناشئ عن حادث متخيل فمثله قولهم (زي بيضة الديك) زاعمين أن الديك يبيض مرة واحدة في السنة, وهو يضرب لما هو نادر الحدوث أو المستحيل.

 

3ـ المثل الناشئ عن تشبيه:

وهو يقوم على أساس التشبيه بين سابق ولاحق وغالبا ما يكون للمديح أو الهجاء مثل قولهم: (زي البهيم اللي بتطلع في الفرمشية). فقد قيل هذا المثل بحق النساء اللواتي يبعن الخضار والفواكة في سوق مدينة القدس وقد أتين من قرى المحافظة. وأكثرهن غير متعلمات فالسماسرة يغشوهن بالوزن والعدد وهن ينظرن ولا يفقهن. حيث شبه حالهن في عدم معرفتهن لما يجري من أغماط لحقهن من قبل السماسرة في السوق تماما بحال الحمار الذي ينظر على الصيدلة ولا يفقه شيئا عنها.

ويظهر في الأمثال كثير من التشبيهات المعبرة تعبيرا مؤثرا عما تومي به من معان فإذا أردت أن توضح الخضرة في مكان أو نبات تقول: (خضرا مثل حشيش الوادي) ويفهم منه أنه تظل خضراء يائعة.وإذا أريد وصف وجه جميل لطفل أو لغيره قيل: (مثل النقطة في المصحف) وواضح هنا الأثر الديني وما بذل ويبذل من جهد في طباعة المصحف الشريف من عناية. وإذا وجد أحدهم شيئا يستعصي عليه حله يقول عنه أنه: (خط كوفي سنسكريتي) وهو حقا من أعسر الخطوط العربية على الكتابة والقراءة. وكثيرا ما يقال: (فلان أو فلانة مثل الحصان) وهو مثل على النشاط والصحة الجيدة.

 

4ـ المثل الناشئ عن حكمه:

يخلط الكثير من الناس بين المثل والحكمة لتشابهمها في الصفات الشكلية تقريبا, حتى لقد اعتبر بعضهم المثل عين الحكمة. ومما يفند هذا الدعم أن المثل قد ينشأ عن الحكمة.

 

5ـ المثل الناشئ عن شعر:

قد يأخذ المثل البيت كاملا أو مشطورا أو مجزوءا أو قد يضمن منه تضمينا أو يحور فيه أو يبدأ مواضع ألفاظه فيصبح مثلا سائرا. فالمثل القائل (الشباب في التراب) مأخوذ من قول الشاعر: ـ

فصرت اليوم منحنيا كأني                            افتش في التراب على شبابي

وبعد هذه السياحة البسطية في كيفية نشوء الأمثال والتمثيل عليها يقودنا الحديث إلى مصدر المثل الدارج:

ويلاحظ مما سبق عن نشأة المثل الدراج في فلسطين والأمثال التي اعتبرت نماذج عليه أن المثل في الغالب (ينبع من تجربة الإنسان الحياتية يأتي في ختامها أو خلالها ليعبر عن نتيجتها بطريقته الخاصة متأثرا بشكل مباشر أو غير مباشر بعدد من الوافد التي تدعمه في شكله ومضمونه, كالوعظ والإرشاد وطبيعة الحياة وظروفها وملابساتها والتعريب والمأثورات المنحدرة من اللغات المحلية القديمة أو الثقافة الشعبية والمعرفة الملازمة لها وما إلى ذلك, حيث يأتي دور المجتمع في تبنيها والالتزام بها (قولا وعملا) مع إجراء بعض التعديلات المناسبة عليها حتى تناسب الذوق الشعبي لهذه البيئة أو تلك فما هي التجربة الحياتية إذن؟

يقصد بها الخبرة والممارسة الفعلية والعيش في الجو العام للحدث حيث تتأر القريحة للإنسان الفرد فتسرع في إخراج الجملة المثلية المعبرة عن نتيجة الحدث بألفاظ موجزة مصيبة المعنى.

ولما كانت تجارب الإنسان تشغله إلى حد كبير, فإنه لا يعيش في عالمه الواسع بقدر ما يعيش في عوالمه الضيقة وكلما عاش في هذه التجارب أحس بوقعها على نفسه وكأن أشد ميلا للتعبير عنها وعن نتائجها, فقد يحدث أن يفشل الإنسان في أمر كان يتوقع نجاحه فيه أو بالعكس فيعبر عن نجاحه أو فشله بقول يوضح ذلك. فإذا ما التقطه إسماع الناس ونشر بينهم وتداولوه على ألسنتهم في المحافل ليعبر عن تجارب مشابهة أصبح مثلا دارجا.

فهذا القول الذي أصبح مثلا دارجا بعد تداوله على ألسنة الناس يمثل تجربة عاشتها امرأة فلسطينية هي تسعى جاهدة للوصول إلى غاية كانت تحرص عليها. وقد أخذت للأمر كافة الاحتياطات اللازمة, يبد أنها أخفقت فيها ونجح غيرها دون أن يكلف نفسه عناء ما كلفت نفسها به وكأن لسان حالها يردد المثل القائل (بخت الشاطر خاطر).

ومن هنا يمكن الوصول على حقيقة واضحة هي أن التسليم بالجهد الفردي في عملية خلق المثل بصورة أو بأخرى مبدئيا يقود إلى التجربة الشخصية المباشرة أو غير المباشرة التي يعانيها, أو يتأثر بمن يعانونها على مرأى أو مسمع منه في حياته اليومية فيعبر عن ذلك بقول يتداول بين الناس, فلا يظهر إلا كنتيجة لتجربة أو خبرة وليدة الوجدان أو العواطف تختلف من شخص لآخر ومن وقت لآخر ومن موضوع لآخر أيضا, ( فمثل تضربه أو تقوله عجوز حنكتها التجارب وخطت عوامل الدهر في جبينها تجاعيد وخطوطا غير مثل تضربه أو تقوله فتاة في قدرها لوعها الحب أو أرقها (كلام) عزول كذلك مثل يقوله قروي كادح مرت به تجارب حياتية مختلفة من زرع وقلع وحلب ضرع, يعبرعنها بأقوال مناسبة تخلد على الدهر ويتناقلها الناس وتصبح أمثالا سائرة يرددونها فيما يناسبها من أوقات أو أعمال مثل قوله: (اللي بتعب في أشي بوكل منه) و(الحركة فيها البركة) و(شتوة نيسان بتسوي السكة والفدان) قد يكون بعضها من نسيج خياله وبعضها الآخر نتيجة عواطف أو انفعالات ورغبات يعبر بها تعبيرا واضحا صادقا عن أمان وآمال في المستقبل وأخلاق.

ومخاوف الحاضر وحرمانه أو عبر الماضي ودروسه فالمثل معين لا ينضب من العطاء الدائم لأنه ابن الخاطر والفطنة.

فإذا كانت التجربة الحياتية هي المصدر الأصلي للجملة المثلية فما هي الروافد التي تدعم تلك  التجربة أو تصب فيها وترفدها شكلا ومضمونا؟

قد تأتي الجملة المثلية ارتجالا على البديهة مستمدة بشكل مباشر أو غير مباشر من روافد عدة منها: ـ

أ ـ طبيعة الحياة بمتناقضاتها المختلفة وظروفها المتأرجحة بين المد والجزر.

ويقصد بذلك تأثر خبرة الشخص الحياتية من حيث العمق والتسطيح بطبيعة الحياة بمتناقضاتها المختلفة التي ينعكس تأثيرها على نفسية الشخص سلبا أو إيجابا, فكلما كانت نظرته أعمق كلما كانت صائبة أكثر والعكس صحيح, ولما كانت وظيفة المثل تتعلق بالإنسان في أبسط حالاته وأعقدها فإنها الترجمان الأمين لنفسية قائلها وشعوره تجيئ منسجمة مع الظروف المحيلة ومعبرة عن واقع الحياة اليومية ومشاكلها. أو يلتصق المثل بحياة الناس وطرق سلوكهم في محيط المجتمع والبيئة في كل زمان ومكان لأنه يصور مشاكل الإنسان وتناقضات الحياة التي تنعكس على أفعاله خيرها وشرها. فهو يقوم بعملية رصد وتسجيل ونقد وتعرية وغير ذلك من مهام شديدة الالتصاق بالحياة اليومية للشخص حيث يقول المثل: (الدهر اللي علاك وطاني) على لسان من يحتقر من هم دونه فلعل الدهر ينصفهم ويصيبه بما أصابهم كما يقول: (الدنيا شيالة حطامه) لا تبقى على حال فهي في حركة دائبة وتغير مستمر مصداقا للمثل الفصيح القائل <<الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك). كما يصف تقلب الأحوال بقوله : (الدهر أبو العجايب).

 

ب ـ التأثر بالوعظ والإرشاد:

كما يتأثر الإنسان في تجاربه الحياتية بطبيعة الحياة ومشاكلها المختلفة فإنه يتأثر أيضا بجانبها الروحي ويمكن اعتبار الخطب في المحافل الدينية في مناسباتها المختلفة على مدار السنة من المؤثرات المباشرة على تجارب الإنسان الشخصية في هذه الحياة. فمن تلك الخطب التي يستمع إليها جمهور غفير من الناس خطب الجميع والأعياد للمسلمين وعظات الآحاد والأعياد الكثيرة للنصارى. وقد جمع بعضها في كتب مدونة ألفها رجال الدين في القرون الماضية وقد حوت الكثير من الحكم الدينية وأقوال العلماء والبلغاء المأثورة بما اعتمدت عليه من تحلية لفظية تتمثل في السجع والتجنيس والاقتباس والتضمين بأسلوب مؤثر.

 

ج ـ المسموعات الأخرى: من قصص وأساطير ولغات أجنبية.

قد يكون موضوع المثل من أصل عربي ولكنه لا يلبث أن يتبناه الشعب الفلسطيني ويتخذه جزءا من تراثه فيصوغه بأسلوب مألوف لديه ويلبسه ثوبا شعبيا يرضاه ويستحسنه فالصيغة على الأقل عنصر أساسي في شعبية المثل وأصالته كما يقول عابدين.

وقد تأثرت الأمثال الدارجة في فلسطين تأثرا مباشرا ببعض الكتب المترجمة ككتاب كليلة ودمنه المترجم عن الهندية إلى الفارسية والعربية في قولهم: (زي الغراب متعلمش مشية الشنار أو نسي مشيته) وهو مثل يضرب لمن يحاول تقليد غيره فيفشل ثم يعود لحياته الطبيعية فينسى ذلك فيقع في الحيرة والندم. وكذلك تأثرت ببعض التعابير التركية في مثل قولهم: (عشرة مليحة لكن أكمك يوك). وهو مثل يضرب لمن حسن كلامه دون فعله. كما تأثر ببعض حيث يحضر الشاعر الشعبي بربابته ليسلي الحضور بقصص مختلفة مثل تغريبه بين هلال والزير سالم وخضره الشريفة والغريب محمد وغيرها من القصص الشعبي.

 

لغة الأمثال الدارجة وتدوينها ودلالاتها

تمهيد تاريخي:

هل للأمثال الدراجة لغة خاصة بها؟ وما هي اللغة؟

 

من الظواهر البارزة في اللغة انقسامها إلى لغة أدب وكتابة ولغة وكلام وحديث ومن هنا أطلق على الأولى الفصحى وعلى الثانية العامية, وهي ظاهرة موجودة في معظم لغات العالم نتيجة للتطور والنمو واتساع رقعة الأرض المنتشرة فيها واختلاط الشعوب بغيرها وقد اصطلح على تسمية هذه الظاهرة (بالازدواجية), ولغتنا العربية لا تستطيع أن تشذ عن اللغات العالمية الحية الأخرى في هذه القاعدة فقد نشأت العامية على هامش الفصحى. وقد اصطلح على تسمية العامية بالدارجة وهي لغة  التخاطب والتعامل اليومي بين الناس ـ بينما الفصحى فهي لغة الأدب والدرس والعلم وتتمتع  بصبغة <<الرسمية>> ولهذا فالبون شاسع بينهما من حيث الألفاظ والدلالات والأصوات والقواعد والأساليب وتصريف المشتقات. وقد عرفت الموسوعة العربية الميسرة اللغة بأنها: (وسيلة الاتصال بين البشر في شكل أصوات منظمة) بينما سارت العامية بشكل لهجات حديثة مختلفة من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر وقد عرفها على عبد الواحد وافي بقوله: (هي لغة الإنسان التي جبل عليها واعتادها).

وقد اعتبرت هذه اللهجات لغة للأمثال الدراجة في فلسطين مع أنها لا تخلو من سمات لغوية فصيحة ولكنها قليلة نادرة.

ومن خلال دراسة المثل الدارج بصفته واحدا من الأشكال الأدبية التي تظهر فيها هذه الازدواجية في اللغة يجدر بالباحث أن يتتبع تطور لغة الأمثال ليقف على حقيقة هذه الازدواجية.  

 

كيف نشأت لغة الأمثال الدارجة؟

لقد مر المثل بثلاثة أطوار من حيث اللغة التي دون بها في الأدب العربي الرسمي والشعبي وبعبارة أصح من حيث اللغة التي صيغ بها. لكل طور منها عصر يمثله ومجتمع يتمثله ولغة تستوعبه وهي:

أ ـ المثل في العصر الجاهلي:

وقد صيغ باللغة الفصحى حيث كانت سليقة القوم التي جبلوا عليها, ومع ذلك فلم تخل من لحن على اعتبار أن اللغة الفصحى هي ما طابق نصها قواعد النحو والصرف التي وضعت لحفظ اللغة من اللحن.

وما اللحن إلا الخروج على تلك القواعد التي وضعت مصطلحاتها لحفظ اللسان العربي من الشذوذ والانحراف عما عرف عن العرب الاقحاح خاصة بعد انتشار الإسلام واختلاط العرب بالأعاجم وتغلب العربية على لغات الأمم الأخرى التي فتحت وضمت إلى حظيرة الدولة الإسلامية مما كان له الأثر في التأثير على العربية الفصيحة وظهور اللهجات المتعددة بتعدد الأقاليم في الإقليم الواحد.

ب ـ المثل في صدر الإسلام وبني أمية:

هو امتداد للمثل الجاهلي من حيث مبناه اللغوي وإن اختلف قليلا من حيث مدلوله ومعناه وذلك بحسب ما افترضته الحياة الإسلامية الجديدة.

ج ـ المثل في العصر العباسي وما تلاه:

 تبعا لاتساع رقعة الدولة الإسلامية في فتوحاتها التي عمت المشرق والمغرب ودخول الأعاجم في الإسلام واستيلاؤهم على أكثر مرافق الدولة خاصة بعد انقضاء العصر الأموي وتبعا للأحداث السياسة التي مرت بها الدولة آنذاك ما كان له أثر الفعال في تفككها وانقسامها إلى أقاليم أو دويلات مستقلة وذلك قبيل منتصف القرن العاشر الميلادي مما كان له الأثر البالغ على الدائرة اللغوية حيث ظهرت لهجات عامية إقليمية في كل إقليم وقد نضجت تلك العاميات في كل إقليم واكتسبت لونا محليا ذا طابع خاص انحرف عن اللغة العربية الفصحى الأم.

إن أحد لا يستطيع إثبات تاريخ صحيح لهذا التحول وهذا التطور ولكن لما احتاج العرب إلى تدوين لغتهم في القرن الثاني الهجري كان ذلك بداية لما حل في فساد في اللسان العربي, ثم ما لبث هذا الانحراف أن أتسع خرقه مع تقدم الزمن وتعدد الأسباب التي منها بالإضافة إلى ما ذكر: التأثر بالكتب المترجمة عن الفرس واليونان والهنود وابتعاد العرب عن موطنهم الأصلي وانسياحهم في أقطار جديدة وإطلاعهم على حضارة الأمم الأخرى كل ذلك وغيره كان من وراء دخول الكلمة الأعجمية إلى جانب الكلمة العربية وفشا اللحن وأهمل الإعراب وظهر ما يسمى (بكلام المولدين) ومنه كلمة <<مولدة>> تقابل كلمة <<فصيحة>>.

والكلمة المولدة: هي التي استحدثها العرب ولم تسمع من فصحائهم فيما مضى ولا رويت عنهم, فظهر ما يسمى <<بأمثال المولدين>> وقد جمع الميداني طائفة منها في كتابة <<مجمع الأمثال>> وهي لا تقل روعة وبهاء عن أمثال الفصحى إلا في القليل النادر, ثم ظهر إلى جانب كلام المولدين ما يسمى <<بكلام العامة>> وقد ابتعد شيئا فشيئا عن الفصيح أكثر من ابتعاد المولد عنه ومنه كلمة <<عامية>> مقابل كلمة <<فصيحة>>.

والكلمة العامية: هي الكلمة العربية المصفحة أو الكلمة الأعجمية التي استخدمها العرب وغيرهم من يعيشون معهم  ودرجت على ألسنتهم واستخدمت في كلامهم ثم ظهرت في أمثالهم التي دعيت <<بالأمثال العامية>> التي ابتعدت كثيرا عن الأمثال الفصيحة وقليلا عن المولدة.

وهكذا يظهر مما تقدم أن الأمثال تقسم من حيث لغتها المصاغة بها إلى:

 فصحى ومولدة وعامية, وبالمقارنة بين المثل المولد والدارج تكتشف حقيقة وهي: (أن الصلة بينهما وثيقة وقوية في كثير من الصيغ والمواد وأن أمثالا بأعينها مشتركة بينهما إلى حد يمكن أن يندرج النوعان في مجموعة كبيرة لها خصائصها المشتركة في مقابل مجموعة المثل العربي القديم.

ويجب ألا يغفل في هذا المجال من أنه قد تسنى للغة العربية أن تنتصر كلغة علم قبل انتصارها كلغة تخاطب, وقد تسربت إليها من بيزنطة وفارس والهند مجاري الفكر وخلاصة الثقافة المختلفة المعروفة واتصلت ببغداد والبصرة والكوفة في القرن التاسع بشكل لم يسبق له مثيل ولا في حضارة الإسكندرية في العصور الأولى. وهكذا أصبحت اللغة العربية التي تستخدم من قبل للأغراض العلمية أداة للتعبير عن مظاهر الحضارة الإسلامية. وقد كانت هذه مرحلة متأخرة بطيئة لما أبدته الشعوب المقلوبة من دفاع عظيم ومقاومة شديدة, فقد تؤثر الشعوب التخلي عن كيانها السياسي بل عن ديانتها القومية إذا اقتضى الأمر قبل أن تتخلى عن لغتها. ولم يتحقق الفوز الأخير للغة العربية حتى أواخر العصر العباسي... حيث استطاعت أن تقهر أختها الآرامية في بلاد الشام... ولم تتلاشى الآرامية إلا بعد أن تركت أثارا بينة في اللغة العربية يمكن تلمسها في مفرداتها وتركيبها النحوي والصرفي وانعكس ذلك كله على الدارجة الفلسطينية فاصطبغت به وانطبعت عليه.

تدوين الأمثال الدارجة

لقد اعتمدت الأمثال الدارجة في فلسطين على اللغة المنطوقة (اللهجة العامية) لأنها صيغت بلغة التخاطب اليومي وحديث الشعب في حله وترحاله, ولذلك فإن من الصعوبة بمكان تفصيحها أو كتابتها بالفصحى لأنها قيلت باللغة المنطوقة غير المكتوبة (فهي شكل ووعاء ومضمون في أن معا وشكلها لا يفارق مضمونها إلا إذا فاق روحها الجسد ولا يستطيع أحد أن يرويها يغير ما سمعت, فإذا سمعتهم يقولون: (على قد فراشك مد اجريك) فلا تملك أن تغير هذه الجملة بالذات, أن تكون بصدد شرحها أو تفسيرها ونقل معناها للآخرين. وذلك احتراما لشكها وحجمها وقائلها, وللأمانة العلمية التي تقضي النقل الأمين في التراث من السلف إلى الخف ليطلعوا على مآثر آبائهم وأجدادهم كما هي دون تحرف أو تغيير أو تبديل, ولكن من راحوا يجتهدون في تدوين النصوص الشعبية على ضوء معرفتهم بطرق تدوين النصوص الفصحى بأبجديتها وقواعدها في الإملاء والخط قد أضاعوا معظم خصائصها الجوهرية لأنهم أحالوها إلى نصوص فصحى فأعملوا فيه يد التغيير والتحريف الجذريين ما أفقدها سماتها المميزة لها. وكان أولى بهم أن يتنازلوا عن قواعد الفصحى في النحو والصرف وقواعد الإملاء والخط في عملية تدوينهم لها للإبقاء على جوهر النص الدارج كما يقول عبد اللطيف البرغوثي, لأن اللغة العربية الفصحى لا تدون بطريقة صوتية خالصة كالدارجة. فهناك حروف تكتب ولا تلفظ <<كأل الشمسية>> وغيرها وحروف تكتب على صورة وتلفظ بصوت صورة أخرى <<كالألف المقصورة>>. وهناك أصوات تلفظ ولا تسجل على هيئة حروف بل يكتفي بالدلالة عليها بالحركات المعروفة, وتلك هي <<أصوات التنوين والألف في بعض أسماء الإشارة وكلمة لكن >> غيرها.

وهناك قضايا بالإضافة إلى ما ذكر متعلقة بأصوات موجودة في العامية وليس فيها للفصحى وجود ويمكن استعمالها لدلالة عليها مثل الصوت العامي المطابق لصوت (GH) في كلمة (GHURGH) الإنجليزية مثل قولهم (تعال تشل) بدلا من قولهم (تعال كل) ثم التحوير الحاصل لبعض الكلمات الفصحى بالإبدال أو الزيادة أو النقص في بعض حروفها فكلمة (زعطر) العامة والتي هي في الفصحى: (صعتر) فإذا دونت بالصورة الأولى يخشى عدم معرفة دلالتها خارج منطقة استعمالها وإن دونت بالفصحى قد خالفت الواقع ولم تصوره على حقيقته كما هو كما قال البرغوثي أيضا ويقترح حلا مناسبا لهذه المعضلة بقوله: (والحل المناسب ولو مؤقتا هو أن تدون النصوص الشعبية ومنها الأمثال الدارجة كما تلفظ تماما ثم تشرح دلالتها في الحواشي لمن يجهلها من القراء خارج منطقة استعمالها وبهذا تضمن واقعيتها من ناحية فهمها لمن يجهلها من الناحية الثانية. وهي ولا شك طريقة مؤقتة حتى يتوفر المتخصصون في علم الأصوات واللغويات فيضعون لكل لهجة عامية ـ إقليمية ـ معجم أبجدية خاصة بها مشتقة كلما أمكن من الأبجدية الفصحى ورموزها.

بعض سمات اللهجة الدارجة في فلسطين وترسباتها

للهجة الدارجة في فلسطين سماتها المميزة والتي لا يستغنى عنها دارس للأمثال   التي صيغت بها ليقف على أسرار تلك اللهجة وليفهم الأمثال ومدلولاتها ومغازيها. وعلى العموم يمكن القول أن اللهجة الدارجة للبدو تختلف بعض الاختلاف عن لهجة غيرهم من سكان الحضر, وأن لهجة الريف تختلف أيضا من لهجة الطرفين السابقين. ومما لا شك فيه أن اختلاف اللهجات ليس بمستحدث بل كان معروفا في العصر الجاهلي ولا يزال هناك تشابه إلى حد ما بين اللهجات العربية في الأقطار المختلفة تبعا لبعد كل قطر عن الآخر واتساع الشقة بين البلاد التي تتكلم العربية وكثرة العوائق الطبيعية الحائلة بينهما.

وهناك لهجات عديدة يخاطب بها الناس في المجتمع الفلسطيني ويستغلونها للترجمة عما يريدون الإفصاح عنه بأصوات تعبر بها كل جماعة عن أغراضها فلا ضابط لها ولا قاعدة مطردة تجمعها بل تختلف باختلاف المناطق والمدن والقبائل والأرياف هي تقبل كل جديد من كلمات دخيلة طارئة, لذلك فمن صفاتها التغير المطرد. ومع ذلك فإنها تتميز أيضا تميزا واضحا عن العربية الفصيحة بطائفة من السمات والخصائص المشتركة بينها في المادة الصوتية وصوغ القوالب اللفظية في تركيب الجمل وفي القواعد والمادة اللغوية وفي طرائق التعبير فهي تجيز بأسلوبها وعفويتها ما تقتضيه الحياة, وتعطي فكرة واضحة عن مزاح أهلها, وطريقة معالجتهم مختلف القضايا التي تعترضهم في حياتهم الطبيعية.

ولا أريد أن أبدي تعصبا أو تميزا للغة العامية بل أهداف إلى الإشارة بأن اللهجات العامية المنبثقة عن اللغة العامية في فلسطين تستطيع أن تجسد القيم الجمالية في محتوياتها وأسلوبها وأنها مستكملة لمقوماتها كأداة فنية قادرة على عكس ذاتية الشعب الفلسطيني والإفصاح عن عواطفه ومعتقداته.

وما العامية (الدارجة) في فلسطين إلا صورة لتفاعل التيارات الحضارية المختلفة التي تعرض لها العرب في فلسطين, لو رجعنا إلى ما قبل الميلاد تقريبا وإلى نهاية القرن الثامن بعد ميلاد المسيح عليه السلام الأدنى من القسطورية اليعقوبية والسريان والكاثوليك والموازنة.

ويمكن القول بأنه قد تناوب في فلسطين منذ أقدم الأزمنة التاريخية حتى اليوم ثلاث لغات هي: الكنعانية (2600) ق.م . والآرامية من القرن السادس قبل الميلاد حتى القرن الثامن الميلادي. ثم العربية الحديثة التي لاتخلو من كلمات آرامية لأسماء قرى ومدن فلسطينية الأصل عربها العرب واقتبسوها من السريان مثل (بيتر , بيت حنينا, لوز, صفد, بيت جبرين) وهناك بعض الكلمات عن الآرامية مثل (أرز, لوز, السبت, كفر (بمعنى قرية) بطيخ, يلوط بطة, بركة , توت, خايبة....... الخ).

وقد كان لنزوح القبائل العربية إلى فلسطين قبل الإسلام وبعده أثره في التأثير على اللهجة الفلسطينية غير أن تلك التيارات لم تؤثر على اللغة الفصحى التي بقيت لغة الأدب والدين والرسميات, وهذا وتجدر الإشارة إلى القبائل التي استقرت في فلسطين ومشارفها قبل الإسلام فتلك القبائل آثار ما زالت متأصلة حتى يومنا هذا في كثير من قرانا ومدننا وباديتنا ومن هذه القبائل على سبيل المثال لا الحصر, (ثمود, سليم, جذام, عامله, لحم, بنو كلب) وغيرها من القبائل, وقد أدخلت هذه القبائل النازحة من الجزيرة العربية إلى فلسطين ومن خصائصها وسماتها اللغوية أنها تخضع لظواهر متأثرة بالبيئة والظروف الاجتماعية والاقتصادية والفكرية السياسية وما إلى ذلك.

من قواعد اللهجة الدارجة في فلسطين

تقسم قواعد اللهجة الدارجة في فلسطين إلى قسمين:

الأول: قواعد اللهجة القديمة ومنها:

1ـ الكشكشة:

وهي الأكثر رواجا في الأرياف حيث تصبغ لهجة الفلاحين الفلسطينيين بطابع قروي يبدو في أبدالهم كاف الخطاب في المؤنث شينا أو تاء وشينا زهو ما يشبه المقطع الإنجليزي (GH) حيث يقولون (ضربتي وبتشي وسبقني واشتسي) بدلا من قولهم (ضربني وبكى وسبقني واشتكى) وقد عابوا على ربيعه ومضر هذا الاتجاه. كما أنهم يقولون: (الحيط الواطي تشل الناس بتنط عنه) بدل كل, وتسمى هذه الطريقة بالشنشنة وهي لهجة خاصة باليمن.

2ـ العنعنة (عنعنة تميم):

ظاهرة ما زالت متفشية بين البدو شبه الرحل وكذلك بين بعض القرى الفلسطينية وهي تقوم على إبدال الهمزة عينا حيث يقولون (عن) بدلا من (أن) وكذلك في حرف النفي (لا) الذي يستبدله بعضهم ب (لع).

3ـ الاستنطاء:

من قبيلة هذيل حيث يبدلون العين الساكنة نونا إذا جاورت الطاء حيث يقولون (أنا أنطيناك) بدلا من قولهم (أنا أعطيناك) يمنيه أصلا.

4ـ كسر الحروف الأولى من الأفعال المضارعة:

مثل قولهم (نلعب, نركض, نسيج) بالإضافة إلى تسكين أواخرها. (وترجع إلى قبيلة بهراء قضاعة) كما يكسر بعضهم الفعل الماضي مثل قولهم (البست, شفت).

الثاني: قواعد لهجة (مستحدثة) ومنها:           

1ـ تفخيم حرف القاف كالجيم المصرية, ويستعمل هذه اللهجة قطاع غزة.

2ـ إدخال باء زائدة على أول الفعل المضارع مثل قولهم (اللي في القدرة بتطلعه المغرفة) (قلة الشغل بتعلم التطريز) (بتقتل القتيل وبمشي في جنازته) وقد يبقى حرف المضارعة وقد يحذف.

3ـ زيادة حرف الشين المتقطعة من كلمة (شيء) في آخر النفي مثل قولهم (فلان ما بحطش كسرته إلا على رغيف وهي تشبه الكشكشة عند العرب).

4ـ يقفون على الساكن في كل كلمة تقريبا وقد يبتدئون بالساكن أيضا وقد يحركون الساكن ويسكنون المتحرك من حروف الكلمة.

5ـ لقط صوت السين على التاء أي ما يشبه لفظ (TS) الإنجليزية حيث يقولون: (انتو) بدلا من قولهم: (انتم) ويشتهر بها بعض سكان مدينة الخليل الأصليين.

6ـ اختصارا بعض الكلمات مثل قولهم: (هسع) اختصارا من (هذه الساعة) أو (اس) أو (لس) اختصارا من قولهم (حتى هذه الساعة)  ويكثر من استعمال هذه اللفظ أهل الناصرة وشمال فلسطيني ويختصرون بعض حروف الجر وأسماء الإشارة مثل قولهم: (عسق , هلبيت, تكتب) بدلا من قولهم: (على السوق, هذا البيت, حتى أكتب) يلاحظ زيادة حرف التاء في أول المضارع ليسد مسد حتى مثل قولهم (جابو الخيل تيخذوها قام الفار مد رجله) ومثل ذلك (تيخذوها).

7ـ يحذفون ميم الجمع في ضمير المخاطبين(انتم) حيث يقولون(انتو) أو يبدلونها نونا في ضمير الغائبين (هم) مثل قولهم: (ضربهن) بدلا من (ضربهم) عند أهل المدن خاصة ومن الضمائر التي تستعمل للجمع يقولون (احنا) بدلا من (نحن).

8ـ ويحذفون الألف أو يغيرون موضعها في بعض الكلمات مثل (اله, اجت) بدلا من قولهم (له, جاءت) (وما اجتش العتمة عقد ايد الحرامي) ويعني الفشل.

10ـ ويبدلون

أـ الهمزة واوا مثل قولهم: (وين) من (أين) وقلب السين صادا مثل (سدر) فيقولون (صدر) و(سورة) يقولون (صورة).

ب ـ إبدال الحرف الثاني من الحروف المضعفة في الأفعال ياء مثل (سديت) بدلا من (سددت) (كديت) بدلا من (كددت) من قد: يقد.

ج ـ إبدال القاف كافا مثل (كد) بدلا من (قد).

د ـ قولهم: (توم, دنب أورنب, ضلم , ظفدع, رجال, كمر) بدلا من (قمر). (آل) بدلا من (قال).

11ـ المجهول ليس صيغة بل يبدلونها بصيغة المطاوعة, فما كان ماضيا كسر أوله أو أضيفت همزة مكسورة ونون ساكنة قبل أوله كقولهم: (انصرف, انكسر) بدلا من (صرف, كسر). وإن كان مضارعا كسر أو أضيفت بعده نون ساكنة يحرك ما بعدها بحسب اللهجة المسموعة المختلفة كقولهم:

(بنضرب, بنكسر) من (يضرب, يكسر). وهناك قواعد في الحذف والإبدال على ما ذكر مثل قولهم (عليش) بدلا من قولهم: (على أي شيء) (مشانيش) بدلا من (شأن أي شيء). وهناك حالات في القلب والإعلال والإبدال غير ما ذكر ولكنها تشير على نفس الطريقة التي لم يقرها سيبويه ولم يفطن إليها الخليل بن أحمد, وليس من قاعدة تنتظم هذه الأصول إلا سهولة اللفظ وقرب مخارج الحروف والميل إلى التيسير والتسهيل فالحروف تتغير وتمتزج في تكون اللفظ العام للكلمة على ضوء وقعها في الأذن ومن ذلك قولهم (على قد فراشك مد اجليك) وتفصيحه (على قد فراشك مد رجليك).وألف اسم الفاعل قلما تبقى منتصبة في كلامهم دون أن تميل إلى مستوى الأرض كما في قولهم عن الحائط (الحيط). أما النون في جمع المذكر السالم فلا تحذف في حالة الإضافة حذفها في أختها الفصحى كما في قولهم: (ظل قليلين الحيا) وتفصيحه (ظل قليلين الحيا) وتفصيحه (ظل قليلو الحياء) وكثيرا ما تبدل الميم نونا كما في قولهم عن الضيم (الضين). وقد تبدل اللام في آخر الكلمة نونا في قولهم (في أيلول بطيح الزيت في الزيتون) بدلا من أيلول, وقلهم (كرمال البرتقال يشرب الغيلان) البرتقال, وفي قولهم: (المره) بدلا من (المرأة) وغالبا ما تقلب الفاء في أول الكلمة تاء أو ثاء كما في قولهم: (ثمة) بدلا من (فمه) أو(تمه) مثل قولهم للمخادع (تمه بيسبح وإيديه بتذبح) وللشخص الذي لا يستطيع أن يجاهر بالحقيقة يقولون (تمه ملاصه) وفي مجال الاستفهام يستعملون (ليش) بدلا من لماذا. وللدلالة على اللحظة الحاصرة يقول بعضهم: (هلوقت) (هلقيت) (هحلين) (هلا).

12ـ إدخال الألف واللام (ال) الموصولة على الفعل وعلى الاسم مثل قولهم: (اللي يدخل: اللي أمها خياطة) وقد يحذفون الياء وأحد اللامين فيقولون (الليدخل) وهي محرفة من الاسم الموصول (الذي) وقد تسد مسد جميع الأسماء الموصولة في اللهجة الدارجة في فلسطين مذكرا أو مؤنثا وتثنية وجمعا مثل (اللي اجت, اللي اجوا, اللي اجا, اللي اجين).

13ـ تسهيل همزة المهموز الوسط والآخر وقصر الممدود كقولهم في : (كأس) كاس, قرا: قرا وأحيانا يقلبون همزة الممدود ياء كقولهم في ماء (ميه).

14ـ قلب الألف الأخيرة في بعض الكلمات هاء السكت سواء كان ذلك في الأسماء أو الأفعال أو الحروف كقولهم: في كلنا: (كلنه). موسى: (موسه). تعشى: (تعشه). وتلفظ موسى (موسي) عند البدو. مثل قولهم: (عايب المسلمين بصير درويش وهامل النصاره بصير قسيس). تلك بعض قواعد اللهجة العامية في فلسطين وهناك فروق صوتية يصعب الإفصاح عنها بالكتابة كمد الصوت في أحرف العلة لدى سكان منطقة القدس, واستعمال نفحة خاصة عن آخر الكطلمة في صيغة السؤال أمر طبيعي يدخل في باب العاديات التي بها كل شعب على حده لأن البيئة المحلية لها دور هام في تكوين هذا الفرق عند الشعوب.

وهناك أيضا الامالة التي كثيرا ما ترد بلفظ الياء المتوسطة مثل حسين, عليك عليك وكذلك بلفظ المقصورة مثل: مقلي. وأما التفخيم فأكثر ما يرد بلفظ الميم والباء واللام والراء والثاء في مثل قولهم (محمود, رب, ريحان ,ثوب). هذا ولن يستطاع تتبع كل قواعد اللهجة الدارجة في فلسطين في مثل هذه العجالة وحسبنا أننا أشرنا إلى بعضها وكفى, وهكذا فإن المتصفح لهذه القواعد يجد تشابها واختلافا في بعض تلك القواعد مع قواعد لهجات أقطار عربية أخرى, ويمكن على ضوء ما ذكر أن تدون الأمثال الدارجة في فلسطين تبعا لذلك مع الابتعاد عن تفصيحها لتكون واقعية كما جاءت على ألسنة الرواة والحفظة دون زيادة أو نقص ولتعطي انطباعا حقيقيا يصور الثابتة ويميزوا تلك الألفاظ الدارجة المستخدمة في لغة الأمثال فقد تكون فصيحة طرأت عليها تغيرات عديدة من نحت وإبدال وقلب وحذف وزيادة وتصحيف وتحريف وما شاكل ذلك حتى وصلت إلى ما هي عليه, أو دخيله أدخلت على اللهجة الفلسطينية بحكم عامل التأثر والتأثير ممن خالط الشعب الفلسطيني من قريب أو بعيد من أمم وشعوب .... أو عكازية لم يؤت بها إلا لتسجع مع غيرها مثلا وما إلى ذلك.

هذا بالنسبة لألفاظ والأصوات والقواعد: أما بالنسبة للدلالة والأساليب فيمكن التدليل عليها من خلال بعض ما تتصف به الأمثال معان عامة وخاصة تختلف من بيئة إلى أخرى ومن وقت على آخر بحسب طبيعة الحياة ومؤثراتها العامة والخاصة أيضا ويمكن أن تبدو تلك الخلافات في:

1ـ التناقض وأسبابه وأنواعه.

1ـ واختلاف مدلول المثل الواحد في:

أـ مبناه

ب ـ معناه ومغزاه

3ـ صعوبة تخليصه من أشباهه من الفنون القتالية وتخليصه من الشوائب الملتصقة به هذا إلى جانب ما في المثل الدارج من مواصفات لغوية وأدبية أخرى.

أولا: <<التناقض وأسبابه ونوعاه>>

التناقض لغة:

 التخالف والتدافع, ومعناه في الكلام: أن يبطل بعضه بعضا ومن هنا جاءت تسمية النقائض في الشعر العربي.

والتناقض في الأمثال سمة من سماتها بل يعتبره بعضهم سببا من أسباب تدني قيمتها وعدم الإيمان بجدواها لادعائهم بأنها أو على الأقل ـ بعضها يحمل بذور فنائه بنفسه, وقد أورد الباحثون أراء جديرة بالاعتبار في أسباب منها:

يقول شعلان:

عبارة عن عمله يوميه تعبر عن موقف معين في زمن محدد قد يتغير بعد فترة, وهذا لا يمنع من القول بأن الأمثال في مجموعها تعبر عن طبيعة العلاقات ذات الطبيعة السالبة والموجبة).

(فكل مثل يرتبط جدليا بمثل آخر تماما كما يربط الصراع بين طبقة وأخرى أو فئة وأخرى), ولما كانت الأمثال تعكس صورة الحياة بخيرها وشرها (فالحياة) ليست خيرا ولا شرا مقيما وإنما هي مزيح منهما, ولكن الأمثال الدارجة قد نسبت إلى الجماعة فأصبحت متناقضة ومتفقة في أحيان أخرى وذلك لأن التجربة الجماعية غير مستردة. ومن ثم لا يمكن أن تخضع لأحكام عامة ثابتة فالتجارب في الحياة قد تتفق في نتائجها وقد يتناقض بعض هذه النتائج مع بعضها الآخر تماما, وقد تعبر عن أحوال العالم الذي تسير فيه الأمور على غير هدى, فمثل المثال القائل: (فرخ البط عوام) يعبر عن مدرك من مدركات الحياة يصح أن يصبح قاعدة ولكن يظهر مثل آخر بل مثلان يناقضانه وهما قولهم: (ابن السكافي حافي والطباخ ماشبعش مرقة). فإذا الأول مع الآخرين يقفان على طرفي نقيض وإن كان كل منهما يعبر عن تجربة مقررة وهذا يدل على أن العالم الذي تتمثله الجماعة. وهكذا ستظل الجملة المثلية تذكر الرأي ونقيضه رغم انتسابها إلى مصدر واحد هو دار الجماعة. وكأن المثل يرصد هذا الموقف ويستجلي تلك الصورة, إنما يكشف نفسية الناس من خلال العلاقات الاجتماعية أو كأنه يستخدم التعرية والكشف لما يدور من تيارات تتجمع لتكون السمة التي تتسم بها العلاقات الاجتماعية.

ويؤكد هذه الفكرة أيضا الدكتور عبد العزيز الاهواني حيث يقل: وإنما جاء التناقض أن النفس الإنسانية ذاتها تحمل في طياتها هذا التناقض وتتجاذبها العوامل النفسية باختلاف الظروف وفضلا عن ذلك فإن المجتمع بطبيعة انقسامه إلى طبقات وطوائف واختلاف في المهن والمستويات العقلية (الفروق الفردية) والمعيشية جعلت المثل وإن التقت نفسيات أهله في نواح من وجهات النظر تختلف في نواح أخرى.

بينما ذهب مارون عبود إلى أن هذا التناقض في الأمثال الدارجة أمر طبيعي جدا لأن المثل يماشي لحياة التي لا تسير على نمط واحد وفي سياق واحد, فهي أحكام تتناول جميع الشؤون الحياتية وهي تجمع المحاسن والأضداد, والكفر والإلحاد, وفي الجملة الشيء وضده, وفي كل باب ومطلب فهي تتحدث عن سعادة من يتداولها وعن شقائه, وعن المغنى والفقر, والشرف والخزي, والجمال والقبح, والقوي والضعيف, والعظمة والوضاعة........ وهي تريح النفس وتسخر وتمدح ثم تهزل في الوقت الذي تتضمن فيه أفكارا جادة. وهي كذلك تلقي الدروس بأسلوب من المرح الحاذق وهي مليئة بكنوز من الأحكام السليمة والحكمة العملية والعدالة والمشاركة العاطفية ثم السخرية اللاذعة الذكية. وتقول فائقة حسين راغب مؤكدة هذه الرأس أيضا: (ولست أكذب القارئ أن بين هذه الأمثال تباين في المعنى والغرض فبعضها ينقص الآخر وإن كان (بعضها) أو أكثرها قد احتوى على حكمة بالغة).

نوعا التناقض

والتناقض في الأمثال تناقضان: أحدهما:

في المثل الواحد يحتوي على الجملة المتعارضة التي تصور متناقضات الحياة مثل قولهم: (في الوجه مراه وفي القفا مذراه) للشخص ذي الوجهين الفتان الذي يأتيك بوجه ويأتي خصمك بوجه آخر مغتابا ومفسدا للإيقاع بينكما فهو يميل مع الريح حيث تميل, ويسخر مثل آخر من النساء وتفكيرهن فينصح الرجل بمشورتهن وعدم الالتزام بما يشرن بمثل هذا الأسلوب المتعارض المتناقض فيقول: (شاورهن واخلفوا شورهن). (على أن هذه التنوع والتعارض في الأسلوب ليس سوى انعكاس لعلم الاهتمام الروحي الشعبي الذي يدعو إلى خلق المثل. ففي هذا العالم تعيش تجارب الناس بوصفها وحدات متنوعة منفصلة فينجم عن ذلك التعبير عنها في شكل أخوي تنفصل أجزاؤه وتتنوع وتتعارض وأن اتحد هذا في كل تعبير عن تجربة الإنسان في هذا العالم التجريبي).

والثاني:

في مثلين مختلفين نصا وروحا فيقولون في التدبير والتبذير (خبي قرشك الأبيض ليومك الأسود) و(اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب). فهذان مثلان متناقضان ينصح أولهما بالتدابير بينما يدعو الثاني إلى التبذير. ويعزو أحمد أمين هذا التناقض إلى صعوبة تحديد تاريخ النثل في عصره الذي قيل فيه والوسط الاجتماعي الذي أفرزه ويتساءل هل نبعا من وسطين مختلفين أو قيلا في وقتين أو حالتين مختلفين. وهناك أيضا شبه تناقض في بعض الأمثال في مثل قولهم: (فرخ البط عوام) وقولهم: (باب النجار مخلع).....

وليس معنى هذا أن التناقض فيما درج في فلسطين من أمثال بل أن التناقض الموجود في كل زمان ومكان لأن طبيعة الحياة وديدنها تقضي وجود مثل هذا التناقض  في الأمثال خاصة لأنها العملة المتداولة بين أفراد المجتمع. فكل ينظر إلى الحياة بمنظاره الخاص وزاويته الخاصة, فبعضهم ينظر إليها من زاوية الخير بينما ينظر آخر من زاوية الشر فلولا جوانب النقص لما عرفت الفضائل والكمال. وهذه الحياة الدنيا لا قيمة لها لولا وجود هذه التناقضات والمفارقات كما يقول الجهيمان. وهكذا طبيعة الحياة وواقعها وحقيقتها, حالات وملابسات ولكل حالة لبوسها ولكل حالة وحادثة شاهد من مثل ومطابقة منقول أو موافقة من حكمة أو أثر.

ثانيا: اختلاف مدلول المثل

1ـ اختلاف مدلول المثل في مبناه:

قد يعتري المثل الدارج في فلسطين وغيرها قليل أو كثير من التحريف: من حرف القول بمعنى غيره عن مواضعه, وظاهرة التحريف والتصحيف قديمة في الأدب الرسمي بسبب عدم إعجام حروف العربية قبل اختراع الإعجام وإدخاله في القرن الأول الهجري على الحروف المتشابهة لتمايزها من قبل أبي الأسود الدولي ولكن هذه الظاهرة في الأمثال الدارجة كنموذج للأدب الشعبي تعتبر أكثر وضوحا بسبب كونها أدبا شفويا متنقلا (سائرا) من بيئة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر. والمعروف قديما أن المثل لا يعتريه التغيير أو التبديل فقد ورد في المزهر للسيوطي قاعدة تقول: <<الأمثال لا تتغير بل تجري كما جاءت <<حتى ولو كان كلام المثل ملحونا فلا يستعمل فيها الإعراب وقد أورد نماذج يعينها يثبت بها هذه القاعدة كما أكد هذه القاعدة ابن عاصم في كتابة الفاخر.

ولقد أدرك الرواة أهمية الصيغة الشكلية في المثل فحافظوا على رواية صيغته كما سموها ومع هذا فقد لعب التحريف في قسم كبير من الأمثال المروية عن العرب قديما, والتي جمعت في أمهات كتب الأمثال (مجمع الأمثال للميداني المتوفي 518هـ . وجمهرة أمثال العرب لأبي هلال العسكري المتوفي 23هـ). وغيرهما, لأن العرب لم يدونوا أدبهم قديما بل تأخروا في تدوينه معتمدين على المحافظة التي كثيرا ما كانت تخون صاحبها وخاصة في النثر, زد على ذلك ما أضافه علماء اللغة للاستشهاد به على آرائهم في المسائل النحوية واللغوية الأخرى. ومهما يكن من أمر فإن النزر القليل الذي يمكن نسبته إلى الجاهلية من الأمثال يطلع الباحث على عقلية القوم واتجاهات تفكيرهم ونظراتهم إلى الحياة كما يوضح أساليب تعبيرهم. فكيف الحال بالأمثال الدارجة التي تتنقل من بيئة على أخرى ومن قطر إلى آخر ومن لهجة إلى أخرى في الإقليم الواحد؟ فلابد أن يعتريها التحريف والتغيير والتبديل في حروف كلماتها لتناسب الذوق الشعبي للبيئة الجديدة التي تحل بها.

وقد يتطور المثل في مبناه ومعناه إلى مغزاه وقد يلعب القياس دورا هاما في تطور صيغ الأمثال ومعانيها, فطبيعة انتقالها وسيرورتها من مكان إلى آخر بسبب عوامل الاتصال الكثيرة فقد يعتريها تغيير جزئي على الأقل لتناسب الألفة الشعبية لدى كل بيئة والذوق العام لكل مجتمع مدني محلي منها. فقد صاغه فرد في زمان ومكان معينين فإذا ما حس المستمعين له فهو حينئذ بينهم وكأنه عبارة مجنحة. وعندئذ يتعرض للتحوير والتهذيب المقصودين والتصرف التعمد في أسلوبه ليؤدي إلى الموافقة الشعبية. وبهذا التبدل تحافظ الأمثال على بقائها لأنها تنبع من جميع طبقات الشعب. ولا يستطيع باحث أن يصحح رواية مثل على مراجع ثابتة أو رواة ثقات لتعذر ذلك في الغالب.

وهكذا وبالنظر إلى ما سبق فقد يجد الباحث أن الأمثال القديمة قد اعتراها بعض التغيير والتبديل على أيدي الرواة نتيجة لسوء الحفظ أو لما اقتضته الألفة الشعبية وكان ذلك التغيير جزئيا في أغلبه يصيب الشكل وقد يخطئ المضمون.

أما بالنسبة للأمثال الدارجة فلم تسلم من التغيير شكلا ومضمونا كنتيجة طبيعة لتطورها وقد يصيب التبديل الشكل دون الجوهر تبعا للبيئة ولطبيعة السكان الذي يتداولونها بعد أن خضعت لتحوير مقصود وتصرف معتمد اقتضته الألفة الشعبية واللهجة الدارجة في المنطقة الواحدة, وكلما ابتعدت الشقة زاد الخلاف بينها بشكل ملحوظ, فقد سمعت رواية مثل واحد هكذا: (سنة القطابيع الغطا) و(سنة القطا ثقل الغطا) فالأول يدل على المحل وعدم المطر, والثاني يدل على البرد الشديد, وهكذا تجد أن تغيير لفظه واحدة يغير مدلول المثل إلى العكس تقريبا ولهذا فإن من الصعوبة بمكان تحديد الوجه الشكلي الذي صيغ فيه المثل أولا خاصة بالنسبة للأمثال الدارجة في فلسطين ولكن تحديدها صعب كذلك. ولكن المتبع لما دون من أمثال دارجة في بعض الأقطار العربية يلاحظ تغييرا كليا أو جزئيا أو تشابها مطلقا في بعض الأمثال. وكل ذلك لا يقلل من قيمة المثل وفائدته الجوهرية المتعلقة بمضمونه وشكله على حد سواء.

ويمكن اعتماد الشروط التالية للحفاظ على الوجه الشكلي للمثل الدارج في فلسطين مع الإشارة إلى الروايات المتعددة للمثل الواحد إن وجدت وهي:

1ـ جمع هذا الفن القولي في الأضابير والكتب ثم تصنيف ذلك وتربيته وتبويبه على أن يتم ذلك بطرق علمية موضوعية يتحرى فيه الدقة الشمولية.

2ـ أن يتم هذا العمل السابق على أيدي خبراء تهيأوا للعمل وفق ما تضمنه من شروط.

3ـ أن يتولى عملية المسح والجمع المؤسسات العامة والخاصة وأن يتولى الإشراف على ذلك العمل فني قوي الاستعداد. مع توفير المبالغ المالية اللازمة لتتمكن من السير في اتجاهها الصحيح.

ب ـ اختلاف مدلول المثل في معناه ومغزاه:

يستعمل المثل الواحد في أغلب الأحيان لأحوال مختلفة لا علاقة لها بمنظوق الكلمات فكثير من الأمثال الدارجة يتمثل بها الناس في مناسباتهم المختلفة تنتهي إلى الأجيال المتأخرة مقطوعة عن أصولها وهذا أمر ملاحظ في الأمثال الدارجة ويفهم مغزى تلك الأمثال بالجملة, فإذا دقق في تفصيلاتها يعجز الباحث عن فهم بعض ألفاظها وتراكيبها وأصولها الأولى فقد تلفظ مثلا ما تؤدي ألفاظه إلى معناه على صورة أخرى, وأنت تستخدم بلفظه وتقصد به المعنى الآخر وهذه الظاهرة قديمة في الأمثال, فقد أورد أبو هلال العسكري في كتابة(الصناعتين) أمثالا تؤيد هذه الظاهرة منها قولهم: (يعين ما أريتك) معناه: أسرع, ويعلق على ذلك بقوله: إن هذا المثل قد عرف معناه سماعا من غير أن يدل عليه لفظه؟ وهو يستخدم كما روي تماما ويورد مثلا آخر. وقد اختلف الشراح كثيرا في معرفة معنى بعض ألفاظه وهو قولهم: (فلان لا يعرف الهر من البر) فقد قال الهر ولد السنور, والبر ولد الثعلب, وقال سواهم : الهر, الزجر, والبر العطف الحنون. أي أنه لا يعرف من يدر عليه ممن يبره.

كما أن لبعض الأمثال معنيين: ظاهر وباطن

(أما الظاهر فهو ما يحمله من إشارة تاريخية إلى حادث معين كان سبب ظهوره, وأما الباطن فهو ما يفيده من حكمة أو إرشاد أو تشبيه أو تصوير, فالمثل القائل: (حرحش لاحق بنوره) مثل دارج في بعض قرى محافظة الخليل وأصله أن كلبا يدعى (حرحش) وكلبه تدعى (بنوره) كانا يعيشان معا ولا يكادان يفترقان يتبع أحدهما الآخر باستمرار. فالمعنى الظاهر واضح من إتباع الكلب للكلبة وبالعكس. وأما المعنى الباطن فهو ما يطلقه سكان تلك المنطقة على كل من أتباع اثنين صديقين ذكرين أو انثنين أو ذكر وأنثى يتلازمان في علاقاتهما وصداقتهما فيتبعان بعضهما بعضا, وهو لا شك تشبيه حال هذين بالكلب والكلبة على سبيل السخرية والتنذر, ومثل هذا كثير في الأمثال الدارجة في البيئة الفلسطينية وإن اختلقت شكلا ومضمونا.....

وهناك ملاحظة جديرة بالاعتبار وهي أن من يسمع ذلك المثل ولم يكن يعرف أصله, فلا يدرك حقيقة مغزاه سلبا أو إيجابا. وقد ترد بعض الكلمات في بعض الأقوال دون أن يكون لها معنى واضح مفهوم كما يقال على ألسنة الأطفال الفلسطينيين عندما يرون (الحرباء) ذلك الحيوان الضعيف المتلون بلون الطبيعة التي يعيش فيها ـ (يا حربا شختي بختي بالله توريني بختي) فكلمة (شختي) كلمة لها معنى في قاموس العامية وأغلب الظن أنها كلمة عكازية جيء بها لتسجع مع بختي لا أكثر.

 وبناء على ما سبق فإن شرح الأمثال وفهم مغزاها واستيعابها فيه شيء من الصعوبة لأن فيها ما يرمز إلى غير فحواها وفيها من الألفاظ المبهمة في معناه ومبناها ما يستغلق على الباحث أحيانا لأنها قيلت في عصور مختلفة ومن أقوام مختلفة على درجات متباينة من المعرفة والجهل كما يصعب فهم المثل وتحديد معناه ومغزاه يصعب أيضا تخليصه من أشباهه وأمثاله من الفنون القولية.(عليك مكنسة يا بنت أختي) هذا مثل دارج أول ما قالته عجوز تدعى (عيشة حسن) عاشت حتى منتصف القرن العشرين ولم نتجب طفلا بل كانت عقيما, توجه كلامها إلى ابنة أختها, ولعله يبعد بالكناية قليلا ليقول بأن البيت فارغ من الأثاث دليل الفقر والفاقة فلعل وعسى لأن تصدق الكناية على ما قيل في دلالته أولا وثانيا ولكن الذي كانت تقصده من كنايتها أبعد من ذلك بكثير أنها تقصد بتلك الكناية أنها بخيلة على الفقراء والمساكين رغم ذات اليد التي تتمتع بها مكان لسان حال العجوز يقول: رغم غناك فإنك بخيلة لا تتصدقين على الفقراء والمساكين ورغم قبولك عند الله إلا أن الله يعطي من يتصدق بقدر بل بأضعاف ما يتصدق على الفقراء والمساكين والمحتاجين وكنك لم تتصدقي, فقد قبلت والله أعلم عند الله قصرا (عليه) ولكنه فارغ من الأثاث والفراش والرياش والله أعلم.

ثالثا: تخليص المثل:

أـ تخليص المثل من الأشباه:

تجري فنون النثر التالية: المثل, الحكمة, اللغز, (النادرة) والنداءات والأساليب الدائرة على الألسنة على أصول متشابهة يصعب على بعض الجامعيين لها التمييز بينها. فهي منغمة غالبا كثيرة التضمينات البلاغية: (حبيب ماله, حبيب ماله, عدو ماله, عدو ماله) والإشارة الأسطورة مع كثرة الرمز إلى شخصيات تقليدية معروفة. وهي تعتبر من الأصول في التشريع الأخلاقي والنظر التجريبي, ولذلك خلط هؤلاء بين تلك الأشكال الأدبية فجمعوها مع بعضها بعضا, وخاصة المثل والحكمة والأقوال الدارجة الأخرى. وقد ألفت فيها الكتب قديما وحديثا دون تحديد أو تمييز بل كان رائد تلك المؤلفات الجمع لهذه المأثورات القولية وترتيبها هجائيا دون فرز لكل نوع على حدة أو الإشارة إلى ذلك.

وليس الأمر بالغريب حيث أن من الملاحظ أن المثل والحكمة يكادان أن يكونا شيئا واحدا هدفهما تعليمي وهو الوعظ والإرشاد وتقرير أصول قواعد السلوك وقواعد المعرفة والمعتقدات والتشريع الشعبي والمبادئ الفنية والذوق إلى آخر هذه المناحي المختلفة من النشاط الإنساني ولم يفطن إلى الفرق الجوهري بينهما الذي يكمن في:

الصياغة اللفظية:

فالحكمة صياغة فردية عميقة بينما المثل صياغة الجماعة السطحية الساذجة, ولم يكن العرب في القديم يفرقون بين المثل والحكمة حتى لقد قال: أبو عبيد صاحب الأمثال: الأمثال من حكمة العرب في الجاهلية والإسلام. وهذا من خطل الرأي كما يقول الدكتور ممدوح حقي. لأن الحكمة تلتقي مع المثل في جوانب وتختلف معه في أخرى ولذلك قيل: الحكمة: هي عصارة خبرة في الحياة, وخلاصة فهم لأسرارها ويبذلها ذهن ذكي فردي في جملة مرصوصة رصا محكما تستخدم في المناسبات, بينما من جوامع الكلم تنم عن فهم عميق لفلسفة الحياة والمجتمع فهي علم وفن, بينما المثل قول يشبه الحكمة في إيجازه ورصه لكنه يختلف عنها في سطحيته, والحكمة  تنشأ من أعمال الفكر والتعمق في درس الحياة والتفلسف في مفاهيمها واستكناه سر من أسرارها وهي تفيد معنى واحد من نهي أو أمر أو إرشاد بينما المثل يفيد معنيين ظاهرا وباطنا كما أسلف الحديث, وهكذا لا يعرف التميز بينهما إلا من سبر غورهما وتعمقمها التعمق اللازم لكشف الأبعاد وفهم الحقيقة للتمايز والتفريق, وكذلك لم يكن العرب يفرقون بين الحكمة والنادرة (اللغز) قال الفارابي:

النادرة حكمة صحيحة تؤدي ما يؤدي عنها المثل إلا أنها لم تشع في الجمهور ولم تجر إلا بين الخواص وليس بينها إلا الشيع وحده).

وهكذا يبدو الخلط واضحا بين الأشكال الأدبية بناء على الناحية الشكلية فيها في الغالب وأحيانا على مؤدي مضمونها أو الهدف الذي تؤديه مع أن لكل منها خصائصه الشكلية وظروفه ومضامينه التي تغاير غيره أحيانا وتلتقي معها حينا آخر.

ب ـ تخليص المثل من الشوائب:

إذا تصفح الباحث مدونات الأمثال العربية ولا سيما المتأخرة منها بتمعن وتدبر وجد ما يدل على أن الرواة وصناع الكلام لم يقصروا عملهم على تلقي الأمثال القديمة الأصلية وروايتها واستخدامها بل أسهموا في صناعة الأمثال أحيانا وفي إدخال عدد غير قليل من العيارات غير المثلية في عداد الأمثال, وهم بذلك قد نسوا الألفة الشعبية التي هي عنصر أساسي في المثل والتي لم تكن متوافرة دائما فيما رووه وضعوه ونحلوه غيرهم, وقد كانت دوافع الوضع كثيرة منها:

أـ إثبات قاعدة نحوية (لغوية).

ب ـ إظهار المقدرة والتفوق في الرواية والجمع, أو لأسباب أخرى.

ولكن أنى لهؤلاء أن يتصدوا في الماء العكر فقد تصدى لهم النقاد وميزوا بين ما هو صحيح ودخيل, ولكن عملية الغربلة والتنحيل التي قادها النقاد لم تكن لتنجح في ردء مفاسد العابثين من الوضاع والمنتحلين وبقيت هناك بعض الأمثال الموضوعة ضمن المجموعات المثلية التي رويت ودونت.

وكذلك الحال بالنسبة لجامع الأمثال الدارجة في أيامنا هذه يقع بين يديه أو يسمع من بعض الرواة والحفاظ من الأمثال الزائفة الموضوعة التي زاجوا بها بين الأمثال المروية لإظهار المقدرة تمييزها والإشارة إلى الموضوع منها خاصة, وأن الأدب الشعبي بعامة والمثل بخاصة ما زال أدب رواية شفوية بمعنى أنه غير مدون في مراجع معتمدة تخدم الباحث ويطمئن إلى الغربلة والتنقية والتصفية وصولا إلى الحقيقة الناصعة بلا زيف أو مواربة.

وبناء عليه يمكن اعتماد الأسس التالية في التنقية والغربلة:

1ـ كون المثل الدارج قد صيغ من حيث الشكل باللهجة الدارجة (العامية) فكل مثل تنقصه هذه الصفة لا يعتبر مثلا دارجا, كما تعتمد في أحيان كثيرة على السجع والتركيز والمقابلة أو المفارقة.

2ـ يمثل مضمونها واقع الحياة التي يعيشها الشعب بعيدا عن المثالية قريبا من العفوية والتلقائية والبساطة, لأنها وثيقة اجتماعية وتاريخية ونفسية تترجم عن فلسفة الحياة التي يدين بها الشعب.

3ـ والأهم من هذا وذاك أن مرجع التأكد من تداولها في فلسطين يكمن في إعادة قراءاتها على مسامع عدد من الفلسطينيين المسنين والتأكد من أنها متداولة وأنها مكررة بنفس الصيغة المسموعة أو بصيغة قريبة منها.

4ـ الرواية الشفوية الموثوقة عن عدة رواة ومن مناطق مختلفة.

5ـ الرواية الشفوية المتفقة مع المنقولات والمخطوطات والمجموعات المدونة من الأمثال الدارجة.

6ـ ظهور أسماء أماكن خاصة فيها كالمدن والقرى الفلسطينية أو النسبة إليها أو ذكر حكام أو عمله أو غير ذلك مما له الأثر البين في حياة السكان والتأثير فيهم من قريب أو بعيد.

7ـ ظهور بعض الأمثال التي شك في صحتها أو نسبتها إلى أكثر من قطر عربي لعدم تحديد هويتها الإقليمية بفلسطين وذلك باعتماد اللهجة أولا والذوق الشعبي للطابع المحلي الفلسطيني ثانيا وسأستخدم بعض الألفاظ بكثرة في البيئات الإقليمية كعلاقة مميزة, ثالثا: مثل قولهم (رجال) في البيئة المصرية و(زلمة ورجل) في البيئة الفلسطينية خاصة بالنسبة لتلك الأمثال التي وجدت في مدونات مصرية وفلسفية وغيرها من الأقطار العربية التي ارتبطت في كثير من أمثالها الدارجة في وحدة فكرية تراثية يصعب تمايزها وتخليصها بوساطة ما ذكر.

وتبقي هذه الأسس تقريبية في عملية الغربلة والتنقية تلك وهذا لا يهم بقدر ما يهم الباحث أنها دارجة في فلسطين ومتداولة على ألسنة الشعب الفلسطيني ويلتزم بعضهم بها نصا وروحا في تعاملهم وفي حياتهم حيث اعتبر كثير من تلك الأمثال كقوانين عرفية غير مدونة ملزمة, وبعضهم الآخر يتخذها أداة للنكتة والتسلية الترفيه ولا يلتزم بشيء منها إلا على سبيل التندر وبعضهم التزم ببعضها دون الآخر وقليلون هم الذين اعتبروها عملة زائفة ولم يخضعوا على الأقل لبعض إيحاءاتها في تعاملهم وسلوكهم.

أسلوب المثل الدارج وبناؤه لفظا وتركيبا

رغم طغيان الدارجة على تركيب الجملة المثلية وبنائها إلا أنها لا تقدم الطلاوة والاستخدام الفني  في التعبير الذي يبتعد عن كل تحديد لغوي للألفاظ قادرة أن تربط بين الأفكار ربطا ثقافيا متماسكا. وتقول نبيلة إبراهيم في تحديد المفهوم النحوي لكلمة (الجار) في المثل الدارج القائل: (لجار لو جار). أنها تتحمل من وجهة نظر النحويين تأويلات مختلفة فقد تكون منصوبة على التخصيص وقد تكون مفعولا به لفعل وفاعل وقد تكون مبتدأ لخبر محذوف وهكذا على أن فن الكلمة يبتعد عن كل هذه التأويلات التي من شأنها أن تقلل من قيمة الكلمة الفنية لأن كلمة (الجار) في هذا المثل تقف وحدها وقد حملت من المعاني ما تعجز الكلمات الكثيرة عن بيانه ومن هنا جاءت للأمثال سمة الإيجاز. وظاهر الإيجاز تلك تصل أحيانا إلى أن يكون المثل لفظة واحدة أو لفظتين (صفة وموصوفا أو مضافا إليه أو جارا ومجرورا) ومن الأمثال البليغة في إيجازها قولهم (ما فيها كافيها) في معرض التعبير عن الآلام والهموم وفي مثل قولهم: (أوجهت) بمعنى أقبلت في معرض التعبير عن كل أنواع النجاح وقولهم عند الوفاة (قصرت). وفيه كنايات معبرة مثل قولهم: (أنت في آخر السلم من فوق) لمن ارتفعت منزلته وقولهم للمتطاول الذي يعتدي على الآخرين على الآخرين (إياك من طولة الحبلة). كما لا تخلو من تشبيهات موجبة مثل قولهم: (لسانك حصانك إن صنته صانك وإن أفلته هانك) وهذا من أوجه ما قيل في ضرر اللسان على صاحبه ونفعه له. وهذا بالإضافة إلى ما في المثل من استعارات تمثيلية فان فيه تكوينا منطقيا يربط النتيجة بالمقدمة وهذا النوع من الأمثال يتكون في الغالب من جملة فرعية تبتدئ بكلمة (اللي) وجمل أخرى رئيسية مثل قولهم: (اللي عليه واجب أكبر به هم) وقولهم: (اللي ما إله أب إله رب) وقولهم: (اللي ما إله كبير بقع في البير) وهي كثيرة. كما يقدم لقطات متنوعة من التجربة من خلالها يبرز معنى واضحا مثل قولهم: (هذا جيل وع وع. إن أطعمته ما بشبع, وإن حيته ما بسمع وإن طلع ما برجع) ولا يخفي ما فيه من التفصيل بعد الأجيال.

كما كثرت في الأمثال الدارجة الصناعية اللفظية والمعنوية فقد يرتاح الشعب للجمل المسجوعة بما فيها من موسيقى بسيطة تؤدي المعنى المطلوب وقد يكون بعض ألفاظها مشعرا بصيغة الاشتراك التي تستعمل في بعض التعابير الشعبية لتكمل وقعها الموسيقي رغم أنها لا تحمل معنى واضحا بل لتسجع مع سابقتها فمنها قولهم: (ما في حدا ولا بدا) و( فلان لا حيلته ولا سيلته) وهي (أرض قفرة نفرة) وغيرها كثير كما يرد السجع والجناس والتقسيم في المثل الواحد كقولهم (حبيب ماله حبيب ماله وعدو ماله عدو ماله) وذلك لزيادة عنصر التأثير كما ترد فيه النغمة التأديبية تارة وتطغى عليه الترعة الفنية تارة أخرى من تقسيم العبارة وتسجيعها تواترها في مثل  قولهم: (في العجلة الندامة وفي التأني السلامة) (إحنا بنبذر الحب وبنتوكل على الرب) هذا إلى جانب ما كثر في الأمثال الدارجة من أساليب بلاغية أخرى مثل قولهم ( دور لبنتك قبل ما تدور لابنك) وكذلك أسلوب النهي والتحذير مثل قولهم: ( لا تقرب الجربا تجرب مثلها مسبوبة بالعيبات حذرك جوارها) فهو ينصح بالابتعاد عن معاشرة من ظهر عيبه للناس خشية أن يلوث الناس بألسنتهم من يسير معه كما قفزت الجمل الشرطية فاحتلت مكانا بارزا في الجملة المثالية مثل قولهم: (إن اطعمت اشبع وان ضربت اوجع) وقولهم: (إن سموك اسم اسمين قول آمين). كما لا يخلو المثل جمل ذات طابع حواري أو طابع الحكاية خاصة تلك التي تستخدم كلمة القول على سبيل الحكاية مثل قولهم : قال لجحا: عد موج البحر: قال: (الجايات أكثر من الرايحات) وقولهم: ( قالوا للجمل زمر: قال لا ثم مضموم لا أصابع مفسرة). وعلى العموم فقد نهل المثل الدارج في فلسطين من المنهل الشعبي باستخدام العبارة البسيطة الساذجة المرسلة أو المصنعة والتي يرمي إلى القصص والتصوير أو إلى الألغاز واللعب بالألفاظ, وظهر التعبير ركيكا ينم عن ضحالة الفكر وسطحية التجربة وذلك كله بسبب انصراف الناس عن اللغة الفصيحة بطغيان الجهل وندرة المتعلمين مما جمد القرائع وتدني بالفكر ففسدت ملكة اللسان وانحط الأسلوب الإنشائي في الغالب خاصة في العهد التركي الذي امتد أربعة قرون.

ولكن ذلك كله لن يمنع الاستفادة من هذه الأمثال في دراسة الناحية الفعلية والفكرية للمجتمع الفلسطيني, بل هي مرتع خصيب لدراسة مختلف جوانب حياة الشعبية وذل لأهمية المثل الدارج النابع من مختلف طبقات الشعب على تباينها فهو المثل الحقيقي لحياة دهائمهم في سلوكهم وأخلاقهم وحياتهم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

المرأة من خلال المثل الشعبي الفلسطيني

 

علي عثمان

كلمة البداية:

يعتبر المثل الشعبي فرعا من أهم الفروع الفولكلور أي (علم العامة).

لأنه أي المثل لم يترك في حياة الناس ميدانا من الميادين إلا وله فيه قول ويؤيد ذلك المثل لأنه ذاته عندما يقول: << و ما خلى المثل قول إلا وقاله>>.

أما علم العامة <<الفولكلور>> الذي يعتبر المثل أحد فروعه فهو علم يبحث في الاعتقادات المأثورة والعادات والقصص والأغاني والأمثلة الفاشية بين الأمم ويدل هذا العلم على عقلية الإنسان في الفلسفة والعلم والدين والطب والنظام الاجتماعي تبعا لما يتناقله السلف عن الخلف في ذلك.

وفي بلادنا يعتبر الريف الميداني الرئيسي الذي تستقي منه المعلومات في مجال هذا العلم وذلك لأن تراث السلف ما زال باقيا عند الخلف دون تعديل أو بتعديل طفيف فيه.

إن الدراسات في هذا العلم عندنا ما زالت في البداية .... وعليه ما زالت جوانب هذا العلم وذلك لأن تراث السلف ما زال باقيا عند الخلف دون تعديل أو بتعديل طفيف فيه.

إن الدراسات في هذا العلم عندنا ما زالت في البداية .... وعليه ما زالت جوانب هذا العلم بحاجة ماسة إلى الجمع والتحليل لكي لا يضيع تراثنا ويتبدد ويطمس معلم هام من أهم معالم حياتنا... وبالتالي يضيع جانب هام من جوانب تكوين شخصيتنا كشعبي يحتل قلب أمه ويتعرض في نفس الوقت للطمس والتبديد والمصادرة, إن أكبر خطورة تكمن في ضياع التراث هي أن التراث ذاته لا يمكن لشعب بدونه أن ينسجم داخل ما يعرف باسم الوطن.

أثناء جمعي للأمثال لفت نظري مثل آخر وهو <<الدهن في العتاقي>> أي إذا أردت أن تفي دراستك بفرضها فعليك بالأكبر سنا أي الذين في خريف العمر وهذا ما واجهته بالفعل فصغار السن تكاد تكون معرفتهم في التراث معدومة هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن الجوانب التي احتوت عليها دراساتنا هذه هي تلك التي حصلنا على قدر كاف من الأمثال فيها وهي: الجمال, المركز الاجتماعي, الأخلاق, العمل في البيت علاقة المرأة في الأهل قبل الزواج وبعده, القرابة, والأصل والفصل, القسمة والنصيب الظرة والسلفة, الحماة, وأخيرا الدهاء والغيرة وملاحظة أخيرة هنا وهي ذلك التناقض الذي يلاحظ بين الأمثال وعلى سبيل المثال لا الحصر: <<خذها بيضة ولو أنها مجنونة>> <<سمرة ونقشة ولو أنها بيضة وحشة>> فالمثل الأول يناقض الثاني تماما فهذا التناقض هو نتيجة لطبيعة دور المثل ووظيفته لأنه يعبر عن موقف في زمن محدد قد يتغير بعد فترة... وعن هذا التناقض يوجد رأي له وجاهته للدكتور عبد العزيز ألا وهو أني يقول فيه أن التناقض إنما جاء من أن النفس الإنسانية, تحمل ذاتها في طياتها هذا التناقض وتتجاذبها العوامل النفسية باختلاف الظروف... فضلا عن أن المجتمع بطبيعة انقسامه إلى طبقات وطوائف واختلاف في المهن. وفي المستويات العقلية والمعيشية. جعلت المجتمع وإن التقت نفسيات أهله في نواحي وجهات النظر تختلف في نواح أخرى.

والتناقض ناحية هامة يمكن أن يلاحظ في دراساتنا هذا الأمر الذي دعانا إلى التنبيه إلى ذلك من البداية.

1ـ الجمال:

في هذا المال نجد أنفسنا أمام ثورة كبيرة من الأمثال ولعل <<زي النقطة في المصحف>> هو من الأمثال السائدة على طول بلادنا وعرضها. أي يربطون الجمال بالكمال فهل هناك أكلم من المصحف؟؟ إن هذا المثل يقال عن البنت الآية في الجمال ويقف على نفس المستوى منه <<زي زغلول الحمام>> وهذا يقال عن خفيفة الدم. الصغيرة السن التي يبرز جمالها قبل نضوجها, تلك التي كما يقال المثل <<بتقول للقمر غيب تقعد مطرحك>> وأكبر الناسي حظا إذا كانت بهذا الجمال وصغيرة سنا ويؤيد ذلك المثل القائل <<يا ميخذ الصغار يا غالب التجار>> من الذي يمكنه أن يغلب التجار؟؟ من هنا كانت أهمية هذا المثل إذا عرفنا أن التاجر له تسعة أعشار الرزق. ولا يبقى للناس جميعا إلا العشر... يؤيد قولنا هذا.. قول التاجر الأول صلى الله عليه وسلم <<إن تسعة أعشار الرزق في التجارة>> وأعتقد أننا أدركنا ذلك.. فستكون على بيئة من معنى غلب التاجر كما جاء في نصل المثل أننا نرى في الأمثال هجوما ليس بعده هجوم على السمراء (السوداء) ومن هذا القبيل: <<يا ميخذ السمرا>> بعدها عادي كلبة مسعورة بتوكل الأولاد>>.

إن المثل أيضا يربط السود بالشراسة والغلظة في الطباع... وقباحة الشكل أيضا تلك القباحة التي ينفر منها المثل صراحة  عندما يقول <<يا ميخذ السمرا ويش بدك فيها يا رمل البحر تنه يجليها >>.

إن المثل إذن يقول صراحة أن من العبث أن تكون السمراء جميلة مهما فعلت إذا لا يمكن أن تصبح حلوة مهما بذلت جهدا في تجميل نفسها إن المثل يصل إلى حد المغالاة في هجومه على السمراء عندما يقول:

<<يا ميخذ السمرة واصحى تلبسها إن مشت في الحارة تكبر نفسها>>.

إن البيضاء في نظره أفضل من السمراء وتلعو عليها درجات ... وتحدد مفهوم هذا القياس في المثل الذي يقول: <<اللي مش بيضة خلقة ما يتبيضها فلقة>> أي أن التي ليست بطبيعتها بيضاء لن تكون كذلك حتى لو استحمت كل يوم بقطعة من الصابون فالسمراء سمراء ولا يمكن أن تكون غير ذلك.

ألم نخلق جميعا من طين؟؟؟ ما هذا التحيز؟؟ هل هناك ما يخفف من وطأة هذا الهجوم؟؟ في الإجابة على هذه الأسئلة وجدت ما يؤكد أن أهم من البياض والسواد (السمار) هو الشرف فليس مهما بياض الشكل فقط.. ويؤيد هذا المثل الذي يقول: (ما بياض إلا بياض الثني).

أي بياض العرض, الشرف صفاؤه ونقاوته وبدونه أي الشرف تسقط كل المقاييس إذ أن الجمال مهما علا أن افتقر للشرف فإنه يصبح لا وزن له ولا اعتبار, وها هو المثل يؤكد بقوله <<من بره رخام ومن جوه سخام>> (من بره نقشي مقشي ومن جوه زفت محشي) من بره أي من الخارج أي المظهر ومن جوه أي من الداخل أي الجوهر فليس المطلوب إذا مظهرها فقط المطلوب المظهر والجوهر معا فإن كانت المرأة كذلك (زين وعين) وإلا فالشرف والأخلاق هما الأصل إن ذات الأخلاق الجيدة أفضل ألف مرة من ملكة الجمال الفاقدة لعنصر الأخلاق, ويؤيد ذلك المثل الذي يقول <<قرد موالف ولا غزال مخالف>> صحيح أن الجمال مهم. <<الحلو حلو لو قام من النوم والشنع شنع ولو غسل وجهه كل يوم>> ولكن الجمال والبشاعة لهما معان واسعة تشمل المظهر والجوهرة أن النشمية أي الجميلة المهذبة كامل الشخصية مظهرا وجوهرا هي المفضلة.

خاصة إذا كانت ابنة عائلة كريمة جوادة ولست ابنة بيت خيش تتقوض أركانه إذا ما داعبت أعمدته نسماء خفيفة والذي يقول فيه المثل <<والله يهدك يا بيت ما فيك ولا نشمية, ما فيك إلا العجايز امات الشملة المهرية>> إن المثل يطالب المرأة بالتزين عندما يقول لها صراحة <<خليك في بيتك قردة واطلعي على الناس وردة>> حبذا لو أن صيغ هذا المثل المقلوبة التي تناسب عصر الفساد الذي نعيش فيه... كانت على الأقل تطالب المرأة بأن تكون وردة في بيتها وخارجه... وتشطب منه كلمة قردة لأن البيت الصغير الأهم والناس مجتمعها الكبير المهم أيضا.

وفي مجال الجمال والزينة قمة التصوير المثل يصل عند النهاية عندما ... يذكر البنت وهي عروس حيث يقول<<ولا فاكهة إلا فاكهة العروس>> لما بتجلى <<أي عندما تكون في أجمل زينتها في آخر لحظة من ليلة الدخلة>>.

عندما تتجلى ترقص أمام عريسها قبل أن تغادر النساء المنزل بوقت قصير أي قبل الخلوة بقليل أن المثل يحذر أيضا في شيء كالجمال... والمال عندما يقول بصراحة ليس صراحة <<يا ميخذ القرد على ماله بروح المال وبظل القدر على حاله>> أي المال أي المال عرض زائل ألم يقل الرسول صلى الله عليه وسلم << من تزوج امرأة لعزها لم يزده الله إلا ذلا ومن تزوجها لمالها لم يزده الله إلا فخرا>> كما أنه ينفر أيما ينفر من التباهي عندما يقول<< زي القرعة اللي بتتباهي في شعر بنت أختها >>

<<إننا نشم من الماضي رائحة بنت بنيت الكرم والجود... على البياض والسمار ومن الأمثال التي تؤيد ذلك لا تحاسبوا الغي في أطراف المناديل والغي في جر المناسف يا رجاحيل>> <<لا تحسبوا التي في أطراف الشالات السود والغي في جر المناسف يا رجاجيل أي أن بنت الكريم الجواد لا يعادلها أحد, فكيف إذا كانت تتمتع بالصفات التي يريدها الناس كما تقول بذلك أمثالهم.

وأخيرا وليس آخرا أننا نلمس وزن العقل وأهميته حيث يتحدى كل المقاييس في نظر الناس فأين تقع في نظرهم تلك التي لا تتمتع بالزين <<الجمال>> ولا العقل الراجح ... إن المثل يقطع بأن لا وجود لها في أي مقياس من المقاييس عندهم عندما يقول << لا زين فيها ولا عقل مواريها>>.

 * الأخلاق:

إن مقياس أخلاق البنت في نظر المجتمع هو اتسامها بالهدوء في حركاتها وسكناتها... لأنها عورة من اليوم التي تبدأ ترى فيه أول خيط من خيوط الحياة, يجب أن لا يظهر حتى استأنسها ولو كانت تضحك بعد أن تدخل مرحة الطفولة الثانية وحتى النهاية والتي لا تكون هكذا هي غير مؤدبة, والمثل الذي يؤيد ذلك <<البنت إن بين ـ أي ظهر نابها ـ أي سنها ـ ألحقها ولا تهابها>> ـ (البنت إن بين سنها الحقها لو في حضن أمها).

إن ذات التربية الحسنة من أغلى المعادن على عكس التي ظهر سنها ... والتي هي من أرخص المعادن... أرخص من النحاس بشوائبه... فالمؤدبة يقول عنها المثل البنت المربية ذهب مخبية>> ولكن متى كان المظهر مقياسا للأخلاق ألم يدعو المثل نفسه إلى عدم الانخداع بالمظهر... ألم يحذر من ذلك عندما قال:

<<يا ما تحت السواهي دواهي>> ويمكن أن نضع أيضا ذلك المثل الذي يحذر من تلك التي تكون في السر وفي الحقيقة شيء آخر عندما يقول: << بتساوي السوايا وبتخرق في الزوايا>> فقد تكون الواحدة هادئة... خجولة...الخ ولكنها لا تترك إثما دون أن تقترفه... على مدار النهار والليل ... والمثل ذاته يقول ذلك بوضوح: <<طلعت المستحية من الصبح للعشية>> إن المثل يؤكد ن الأخلاق حتى طمست من قاموس المرأة فلا محاولة من وصفها بصفة تستحقها بجدارة لقاء ما اقترفت من آثام ... عندما يطلق عليها تعبير (قحبة) لأن المرأة كلوح الزجاج إذا انشعر استحال اصطلاحه... ويؤكد ذلك المثل الذي يقول<<إن كان الميه بتروب القحبة بتوب>> وقبل أن يحذر من هذا النوع من النساء يحذر أبنائهن... فالطفل على دين أمه... مدرسته الأولى ... حيث يخرج تلميذ مدرستها الفاشلة... التي يحذر منها المثل أيما تحذير. عندما يقول<<ما تخاف من القحبة خاف من ابنها وأبنتها>>.

ويؤكد الرأي الذي ارتأيناه هنا المثل النقيض الذي يقول << بنت الحرة زي الذهب في الصرة>>. وليست أقل ازدراء من تلك التي يحذر منه المثل تلك التي تخون عش الزوجية... أولا تستقر فيه فالمثل يقرر إن مثل هذا النوع من النساء لا خير فيه على الإطلاق عندما يقول: <<لو فيها خير ما طلقوها ولا جوزها كل يوم عريس>> وأيضا <<الجوز غايب والحال سايب>>.

و السائبة هي التي تستقر على أحد من الناس... وهي أسوأ من القحبة المعروفة... إنها تستغل مؤسسة الزواج أقدس مؤسسة وجدت في الكون...ودعت بقوة إلى المحافظة على قدسيتها كل الأديان والأعراف والأخلاق ... فبدل أن تحفظ زوجها من نفسها في حالة غيابه... تخونه ... وسلاح الخائنات هو البكاء الكاذب ... البكاء المرير... إذا انكشف أمرها تستخدمه سلاحا ...

 وها هو المثل يؤكد ذلك بقوله <<دموع العواهر نواهر>> وعواهر مفردها عاهرة ونواهر مفردها نهر كناية عن أن دموعها تبدأ في الجريان... وكأنها النهر نهر الكنغو... أو الأمازون عند اندفاعه بقوة عبر المحيط.

رحم الله الشاعر كامل الشناوي الذي أجاد كل الإجادة في وصف دموع هؤلاء الخائنات عندما قال:

ما أهون الدمع الجسور إذ جرى

                               في عين كاذبة فانكر وادعي

 

إن المثل يمقت أشد المقت المتزوجة السائبة... أما من كانت بغير زوج... في نفسها شيء فإن المثل يسألها... مالذي يمنعها من الزواج... خشية أن تنزلق إلى الهاوية... وهو أي المثل يفتح لها الباب على مصراعيه لتلاقي ذلك عندما يقول <<شو ساوت الحرة؟ تزوجت>>.

3ـ المركز الاجتماعي:

إن المثل هنا يعطي صورة مكفهرة وقاسية عن مركز المرأة الاجتماعي, والأمثال في مجموعها تجمع بين طياتها مخلفات تلك العصور المظلمة التي مررنا بها, أو بالأحرى قيلت عبر ليلنا الطويل... لكن الأمثال بقيت في ضمائر الناس وهكذا هو التراث.

وملخص ما تتحدث فيه الأمثال في هذا المجال هو أن الأنثى عبء ثقيل يجب التخلص منه, يرى في المرأة عورة ويرى في موتها ...نعمة كبرى... لأهلها ومن الأمثال في هذا السبيل:

<<موت وليتك من صفات نيتك>> <<موت البنان من المكرمات>> <<المرة بتتعب أهلها لو ماتت>>.

وإذا كانت هذه هي النظرة إلى المرأة, فكيف يكون لأنهم يرون في إنجاب البنات القلق, وقلة الراحة والمذلة التي ليس بعدها مذلة والويل لمن تنجب البنت أيضا.. وكأنها ملزمة بأن تلد الذكور دون الإناث ومن الأمثال في هذا السبيل: <<مبغوضة وجابت بنت>> <<خلف البنات من المتعبات لو أنهم عرايس>> <<اللي بخلف بنت عمره ما برتاح>>.

إن مركز المرأة الاجتماعي مرهون بإنجاب الذكور دون الإناث فالمرأة التي تلد الذكور يكون حظها عندهم أحسن من غيرها واحترامها أكثر... ومكانها أفضل فالمثل يقول<<أم الولد بخير وأم البنت بويل>> إن المثل يؤكد على المرأة ذلك حتى وهي في شدة الألم والمخاض...

إنه يتمنى أن يكون المولود ذكرا وليس أنثى حيث يقول: ـ ياريت هالطلق الشديد غلام<<فإن كان المولود كذلك انسند قلب الأم وقام.. وإن كانت أنثى انحدرت مكانتها إلى أحط درجات الانحدار.. وفي ذلك يقول المثل على لسانها: لما قالوا لي وليه هالت الحيطة عليه>> ولكن إن المرأة مع هذه النظرة المتدنية.. تبقى أفضل من عدم الإنجاب على الإطلاق .. حيث يقول المثل جيات بنات لا قعاد بطالات>>. لأنها إن أنجبت بنتا.. فقد تكون البنت في البداية محل شماته من الناس.. ولكن إن كبرت وكانت جيدة فإنها تنقلب من الشماتة منها إلى حسد عليها... وفي ذلك يقول المثل: <<البنات أولهن شماته وأخرهن حسد>> إن في هذه النظرة إلى البنت ما يذكرنا بأجدادنا قبل الإسلام وبالذات بذلك الجد المحترم الذي هجر زوجته لأنها أنجبت البنات دون الأبناء فقالت شعرا حزينا تعاتبه فيه وتوضح له أن لا دخل لها في ذلك.. وشعرها الحزين لا يزال له نفس الوقع في نفس من يقرأه في أيامنا الحاضرة وقد قالت فيه:

ما لأبي حمزة لايأتينا

عضبان أن لا نلد البنينا

تا الله ما ذلك في أيدينا

ويزيد من المرارة أن لغضب ما يبرره في أمثالنا.. فقد تكون هذه الزوجة التي تلومه المحترمة جدا لها كل الحق فيها تقول ولكن من الذي يضمن لزوجها بناتها أيضا... طالما أن المثل  يقول صراحة: <<بنت المليحة فضيحة>>. إن في الإنجاب إذن ما يعطي المرأة قدرا ما من الاحترام و التقدير.. وبالذات إن كان إنجابها ذكورا ولكن إلى أي يصل هذا الاحترام؟؟ إنه لن يخرج عن أكثر من السماح لها بأن تكون خادمة مجانية في البيت لا أكثر ولا أقل.. لأنها حتى ولو وصلت المريخ مصيرها للطبيخ.. وندرك مدى التعجيز في ذلك إذا عرفنا أن تكنولوجيا القرن العشرين على عظمتها لم تستطع أبعد من التقاط حتى صورة واضحة لكوكب المريخ.. إذن مصيرها الطبيخ لا غير.. ويحدد ذلك بدقة المثل القائل: <<المرأة لو وصلت للمريخ مصيرها للطبيخ>> كذلك <<شهادة البنت مطبخها>>.

لماذا كل هذا؟؟ ما السبب فيه؟ إنه المثل يرد ذلك إلى نقص عقل المرأة حسب ادعائه... فالنساء في رأيه:<< طويلات شعور قصيرات عقول>>. <<النسوان الهن نصف عقل>> ولما كانت هذه هي النظرة إذن فإن عرق النساء في نظره خسارة.. وفي ذلك يقول المثل <<عرق الزلام تجارة وعرق النساء خسارة>> (ألا يبدو أن لهذا علاقة بما نكتبه على بطاقات الأفراح وفي الصحف عندما ندعو العروسين بالرفاه والبنين وليت البنات أيضا.. أو عندما تدعو لهم بإنجاب الصبيان ولا نذكر للصبايا اسما على الإطلاق؟.. إن في تصرفاتنا هذه استمرارية لهذه النظرة الفظة القاسية إلى الأنثى التي تعود في جذورها إلى قبل الإسلام وفي جذورها القريبة إلى القرن الماضي عندما كان الرجل قبل أقل من مائة سنة على وجه التحديد يعتبر البنت عبئا ثقيلا مملا... ويفرح أشد الفرح عندما يولد له غلام ولو جر عليه المصائب والآلام... لاعتقاده بأن <<ألف ولد مجنون ولا بنت خاتون>>.

أن استمرارية هذه النظرة إلى الذكور دون الإناث ليست عن دون قصد إذن. إن المثل يدعو لصراحة إلى تكسير قرون المرأة وعدم استشارتها.. وعدم الإفضاء لها بالأسرار... ومن الأمثال التي تؤيد ذلك.

<<البنت كل ما بطلع لها قرن أكسروه>>

<<يا ناوي على خراب دارك أعطي سرك لمرتك>>

<< ياناوي على خراب الديار أعطي سرك للنسوان>>   

<<ما بشاور المرة إلا المرة>>

<<اسمع من المرة ولا تأخذ برأيها>>

<<طاعة السنوان ندمة>>.

 

لماذا كل هذا؟ إنه كذلك .. لان المرة لا يمكن أن تكون إلا:( يامرة يا مرمرة يا مسمار في العنترة) لأن المرة في نظر المثل لا يمكن أن تكون في يوم من الأيام رجلا.. إنها ناقصة ..عوره.. إنها نعجة وليست كبش.. إنها ناقة وليست جمل:

<<عمرك شفت نعجة صارت كبش>>

<<الناقة ناقة وليست هدرت>>.

إنها الأنثى تسبب الفضيحة والعار..

لأنها إن وجدت أي نوع من أنواع العطف واللين والدلال قد تخطئ فتجلب العار. إلى أهلها وتخزيهم... على عكس الذكر تماما.. ويقول المثل في ذلك <<دلل ابنك يجيك ودلل بنتك تخريك>> إن الأنثى في نظر المثل هم وغم وحسرة طالما هي على قيد الحياة ومتزوجة..

إن الأنثى في نظر المثل ضلع قصير وهي من ضلع الرجل وطالما هي كذلك فإن المثل يضعها تحت الوصاية عندما يقول بجلاء ليس بعده جلاء: <<النسوان وداعة الأجاويد وفراسة الأنذال>>.

4ـ العمل في البيت وخارجه:

(الرلمة جنى والمرة بنى) أي يحاول أن المطلوب من الرجل هو السعي من أجل الرزق والجني و المطلوب من المرأة أن تبني ولا تبذر وأن تكون حريصة أشد الحرص في شؤون بيتها ومن هنا جاء المثل الذي يشجع أيما تشجيع على اختيار الزوجة ذات القدرة على رعاية المنزل تبعا للمثل الذي يقول:

<<النسوان كثار وربات البيوت إقلال>> إن المثل يطلب من المرأة أن تكون ذات مقدرة فائقة في المطبخ وإعداد الطعام عندما يقول << شهادة البنت مطبخها>>. إن المثل يؤكد في المرأة أن تكون طباخة خبازة.. أكثر منه غسالة ويؤيد ذلك لمثل المثل الذي يقول<< أقعد عند خبازة ولا تقعد عند غسالة>> إن المثل إذن يفضل التي تجيد الخبز على التي تجيد الغسيل وليس معنى أن الطبخ مطلوب منها فقط بل يجب أن تتمتع أيضا بمقدرة فائقة في إعداده.. وفي ذلك يقول المثل <<حلو من حلاوتها وعفن من عفانتها>> ويقول من سألتهم في معنى ذلك أن الطبيخ أو العجين الحلو يسهل اصطلاحه بإضاعة الملح إليه أما المالح فلا يمكن إصلاحه.

إن المرأة مطالبة بأن تكون اقتصادية في بيتها إدارية في شؤونه حيث يقول المثل: <<صحيح لا تكسري ومكسور لا توكلي>> أي أن لا تسمح بتفتيت الخبز ولا تترك المكسور يتزايد لأن هذا يذهب هباء ولا يستفاد منه ويجيب أن تبلغ بها المقدرة في تدبير أمور بيتها بدقة ليس بعدها دقة بحيث لا تحتج بوجود نواقص تعيقها عن العمل لأن المثل يقول <<العزالة الشاطرة بتغزل على رجل حمارة>> أي أن النوع من النساء يدعو لها المثل بطول العمر عندما يقول <<خيط المعدلة ذراع وخيط المايلة باع>> والمايلة هي التي ليست لديها المقدرة على إدارة شؤن بيتها كيف لا يكون موقف المثل من المايلة هكذا.. وهي عفنة.. كسولة لا تتحرك في مصلحة بيتها ولو دخلت تحتها وهي جالسة حية.. حيث يقول المثل <<لو نظرت الحية تحتها ما نظرت>> هذه هي العفنة في نظره التي تبقي جامدة حتى دخل البيت ضيف بحيث تكون كالبلهاء عاجزة عن فعل أي شيء وفي ذلك يقول المثل: <<عفنه واجوها ضيوف على غفلة>> وكذلك: <<لو شافت السيل سال والمال مال ما تغير لها حال>> إن المثل يحدد للمرأة ما يجب عليها أن تقوم يجب عليها أن تقول فيه وكذلك تتقيد به فمثلا إذا كانت في زيارة لزميلة لها عليها أن لا تسمح لزميلتها أن تنصحها بالبقاء عندما تقول لها كما يقول المثل <<لا عجينك شايط أي واصل مرحلة يجب أن يخبزها فيها ـ ولا ابنك عايط أي يبكي ولا جوزك يحلف بالطلاق>> أي ليس له حاجة فيها, بل يجب أن تكون زيارتها قصيرة لا أكثر ولا أقل ويؤيد ذلك المثل ثم عليها أن تعود إلى بيتها لأن الزيارة في رأي المثل غاره لا أكثر ولا أقل ويؤيد ذلك المثل الذي يقول <<الزيادة غارة>> إن المثل أيضا يطلب من المرأة أن تكون لديها المقدرة على العمل خارج البيت وفي نفس الوقت يحدد من هي التي لديها المقدرة على العمل عندما يقول صراحة <<الطويل طالت النينة والقصير رجعت حزينة>> وأكبر هجوم شنه المثل على تلك التي تقصر في أعمال بيتها لا تستطيع تنظيم أمورها صراحة: <<الله يهدك يا جارتنا من جخاخة نصابة دايمن خصرك رايح جاي زي قوس الربابة>> ومن الأمثال التي تدعم ما نذهب إليه:

<< زي العروس فاضية مشتغلة>>

<< من بيت اشكع إلى بيت اركع>>

<< في النهار بتغلق بيتها وفي الليل بتحرق زيتها>>

<< ثقبتن نقلت ما بقلت>>

<< دشرت جوزها في الدار ممدود وراحت تنعي على أبو عبود>>.

<< البيت معمور وصاحبة الدار في الدور>>

<< خراف ثنتين خرب بيتن>>

<< نامت نومها كله وقامت لابنها تغله>>

<< اللي بيتها ما بتفشه بتروح للجامع ترشه>>

إن هذا المثل الأخير يختلف صيغته في الخليل عن أنحاء باقي فلسطين حيث يرد بالصورة التالية:

(زبيدة ما كنست بيتها, وبيتروح للجامع تقشه) من هذا يظهر مدى الهجوم على تلك التي تهمل بيتا وتقضي وقتها متنقلة من بيت إلى آخر وتكثر من القيل والقال وتحاول تغطية فشلها بإلقاء المسؤولية في ذلك على إشغال ابنها لها, إن المثل يجعل من هذا النوع من النساء سخرية ليس بعدها سخرية فهل يعقل أن ما لا تستطيع أن تقوم بشؤون بيتها أن تعمل شيئا خارجه حتى لبيت الله الجامع؟ بالطبع لا, لأنها عفنه, كسولة, مايلة, أقل ما تستحقه أن يأكلها دود البلاد أي دود القبر ـ أما من حيث العناية بالطفل .. فالمثل يقول المرأة ترى راحتها في الطفل طالما هو في بطنها ولم يولد بعد عندما يقول<< في البطن ولا في الحظن>> ولكن أين يقف هذا المثل بالنسبة للمثل القائل <<المربي ولا المخبي>> إن الطفل الذي قطع المرحلة التي هو بحاجة فيها إلى عناية كبيرة إذن أفضل من الذي في البطن ويدعم ذلك أيضا المثل الذي يقول <<صوص وراء أمه بسوي البطن كله>> أي الطفل موجود ومضمون أفضل من كل ما يمكن أن ينتجه البطن ويدعم لك أيضا المثل الذي يقول وكأنه على نسق المثل الذي يقول<<عصفور في أيدك ولا حمامة طايرة>> إن الأم هي المربية الأولى للطفل بحكم طبيعتها والمثل يؤكد ذلك بقوله ما بربي الصوص إلا أمه>> وعليه يقرر المثل أن الطفل للأم وحدها وليس غيرها بأنانية كبيرة عندما يقول: <<الولد لأمه والخرا على اللي يلمه>>.. إنها إذن هي المربية الحقيقية وهو لها في النهاية...

ويتضح دور المرأة بجلاء المثل الذي يقول <<إلى أمه في البيت بوكل خبز وزيت>> مع هذا فليس معنى ذلك أنه ينسى الأب... الذي لا يمكن أن يكون الطفل في الحياة رجلا بدونه.. فنجد المثل يقول وهو يقصد تربية الابن في المرحلة التي تلي الطفولة: <<النسوان عمرهن ما ربين ثور يحرث>> أي نجاح الابن في الحياة مرهون بتربية والده .. بعد أن يتعدى المرحلة الأولى من حياته وأخيرا النظافة ودورها في تربية الطفل.. لا أعرف متى كان ما يقوله المثل صحيحا عندما نجده يقول <<عليك بأولاد العفنات>> وكأنه يريد أن يقول أن ابن العفنة ينمو في بيته أفضل من ابن غيرها... هل هذا يدل على الذي يترك على الطبيعة.. يخرج مضادا لكل شيء؟؟؟ ألا يمكن أن تؤدي تراكمات الأمراض عليه إلى تحطيمه... والطفل هو أكثر من غيره قابلية لذلك في المراحل الأولى من الطفولة بالذات.

أليس الولد النظيف يفضله ألف مرة.. أو بالأحرى ليس هناك وجه للمقارنة.. لأن المثل ذاته ينتقض ذلك عندما يقول عن الولد النظيف<< زي زغلول الحمام>>؟ وإذا ما أتينا إلى الطفل الذكر والطفلة الأنثى فإننا نجد المثل, لا يقلق اتجاه الطفل الذكر ولكنه يبدي قلقه علانية وبوضوح اتجاه الأنثى عندنا يقول: <<عليك بالأولاد ما أقل همهم لو داروا مشحلين ماستحت أمهم>> <<أي خجلت>>.

إن الحفاظ على البنت الطفلة نابع من شيء اسمه العيب ما هذه التربية إذن؟؟ نعتبر الطفلة عورة ونحافظ عليها من أيامها الأولى لأنها عورة.. حتى في الوقت الذي لا تكون فيه تعي نفسها مثل ذلك.. إلى متى سنبقى هكذا؟؟ طالما أننا نعرف أن الولد سواء كان ذكر أم انثى هو بتربيته ويؤكد ذلك المثل نفسه عندما يقول <<الولد على ما ربيته>> ألا تؤدي مثل هذه التربية للبنت.. إلى إحساسها بالنقص. وجعلها تكره وجودها في الحياة؟ في رأي نعم وسبب ذلك التربية الغير السليمة.. فهذه إحدى البنات تؤكد ذلك عندما كتبت في مستهل مذكراتها تقول <<بدأ الصداع بيني وبين أنوثتي مبكرا جدا.. قبل أن تنبت أنوثتي.. قبل أن أعرف شيئا عن نفسي وجنسي وأصلي.. بل قبل أن أعرف أي تجويف كان يحتويني قبل أن ألفظ إلى هذا العالم الواسع. كل ما كنت أعرفه ذلك الوقت أنني بنت كما أسمع من أمي.. ولم يكن الكلمة بنت في نظري سوى معنى واحد..هو أنني لست ولدا.. لست مثل أخي.. الخ).

5ـ علاقة المرأة بالأهل قبل الزواج وبعده:

إن المثل يبدأ بالإشارة على حاجة البنت للتوجيه قبل وحتى بعد الزواج طالما أنه كما عرفنا اعتبرها بنصف عقل, ومن هنا نراه لا يسمح لها أن تختار في زواجها عندما يقول<<إن دشروا البنت على خاطرها يا بتوخذ طبال يا زمار>>. في حين أنه في نفس الوقت يعطي الرجل أحقية رؤية مني ريد على الأقل عندما يقول<<لا تخطبها من تحت حملة ولا باب طابون إلا وهي قاعدة من النوم تشبه البدر ياقوم>> ولما كان موقف البنت في الزواج مربوطا في أهلها ودور الرجل في رؤيتها على الأقل فإن الحظ يتدخل في الزواج ليحل محل الاختيار كما يقول<<سترة البنت جيزتها>> (شو ساوت الحرة تجوزت) ولكن المثل لا يشطب الأهل من حياة المرأة بعد زواجها بل يؤكد أنهن لها ولن يتخلوا عنها ويؤيد ذلك بقوله <<بيت رباني ما هرب وخلاني>> ولكن ليس منى ذلك أن ليس للبيت الجديد الأولوية والأحقية فيها فهو يقول قوم شروك ولا قوم باعوك أي يطالبها التمسك بالبيت الجديد أكثر من الذي خرجت منه وإن عليها أن تتكيف معه بقدر ما عندها من جد لأنه يقول <<عند الأهل إربي وعند الزوج إربي>> فهو يفضل لها نار البيت الجديد على أهلها عندما يقول <<نار جوزي لا جنة أهلي>> وهو يطالبها بأن تكون خلوقة مؤدبة لأن المرأة الشرسة في نظره تسبب لأهلها الشتائم عندما يقول<<المرة العاطلة بتجيب لأهلها المسبة>>.

إن المرأة الناجحة لا تريد من أهلها أكثر من الاحترام.. ويؤيد ذلك المثل الذي يقول: <<ما بدي يا الأهل ومنكم تغنوني بدي منكم جبران الخاطر>> إن عليها أن تعتني ببيتها وأولادها فهم أضمن لها من كل الناس حتى الأهل والزواج معا حيث يقول المثل:

<<حبوني الصغار وبغضوني الكبار>> وهي تقول هذا المثل عندما يغضب من زوجها وأهلها معا كما أنها تقول لزوجها عندما يزعجها <<ما بتشوف خيري وما جربت غيري>> أي أنها تلومه على الإزعاج بأنها أحسن من غيرها ولو جرب لعرف ذلك. إن المثل يبين أيضا أن الزوجة تفضل البنين على البنات بأنانية كبيرة بل حتى أنها تفضل الأخوة على البنات اللواتي من صلبها وفي ذلك يقول المثل على لسانها <<إن سلمت أنا وأخواتي, الحمير تركب بناتي>> وبنظرة فوقية كمطلب يجب عليها أن تعمل به حيث يقرر<< قرد موالف ولا غزال مخالف>> أي قرد يسمع ويطيع وينفذ.. خير من غزال مخالف أي قرر يسمع ويطيع وينفذ.. خير من غزال جميل... تنقصه هذه المطالب وفي اعتقادي أن هذا نفسه هو الذي أوجد المثل المعتاد<< خذي اللي يشيل خرقتك ولا اللي تشيلي عباته>>

أي أن المثل ينصح الزوجة بأخذ الذي يسمح لها.. ولا الذي يعاملها معاملة فوقية إن المثل يلوم على لسان المرأة الزوج الذي يضرب زوجته... فكما تخطيء هي.. يخطئ هو أيضا وهذا المثل يؤيد ذلك صراحة عندما يقول على لسانها <<عليش تقتلني يا ابن الخاطية ياللي ربيت أنا وياك على باطية>>.

إن على الزوج أن يحسن معاملة زوجته ويحترمها ولا يسيء إليها حتى لا يجعلها تعلق على حياتها معه عندما يسألها أحد عن ذلك بقولها <<حبني حبيبي وخصني بخراه>> أي أن المثل يطالب الزوج بالكد والجد حتى يزوج نفسه بنفسه وبقدر قيمة الأسرية.. ولا يكون الطلاق من السبل التي يلجأ إليها في ذلك يقول المثل: <<اللي بجوزه أبوه الطلاق عليه هوين>> أي سهل كما يطالب المرأة بأن لا تجعل زوجها يعتاد على القسوة والمعاملة الفوقية إن بدر ذلك منه عندما يقول زوجك على ظريته وابنك على ماربيته>> يجب أن يفهم من اليوم الأول معنى الزواج وقدسيته.. والمثل ذاته موصى الرجل اشد الوصاية عندما يقول النسوان وداعة الأجاويد وفراسة الأنذال إن بعض العقول لا تزال إلى يومنا هذا ترى في مثل هذا نوعا من الصحة..

وتنسى أن المرأة الطبيبة والعاملة والمعلمة والممرضة لم تعد قبل بمثل هذا على الإطلاق... وتنتهي هذه المفاهيم عندما يدرك الرجل أن المرأة هي خليلة شباب كهولة.. وممرضة شيوخة لا مانع أن يبقى للتراث أقوله.. بحكم كونه تراثنا وقيل في عصور كانت تناسب ما يقال.. ولكن ما الذي يمنع من حفظ كل جوانب التراث.. لكي نستفيد من الحسن.. ونتعلم من السيء كيف يجب أن يكون؟ أليس التراث تجارب أجيال متعاقبة؟؟ أو ليس قيمة البشر في الحياة تتوقف على الاستفادة من تجارب من سبقهم؟؟

6ـ القرابة والأصل والفصل والنسب:

تناقض غريب <<شاة الدار دورة وبنت العم عورة>> ابن الغريبة غريب نفهم من هذا إن ابنة العم غير مفضلة وكذلك الغريبة وهذا يدفعنا إلى السؤال: من المفضلة إذن؟؟ على ماذا يدل التناقض؟ السؤال الأول ستجيب عليه بقية الدراسة أما الثاني فقد قلنا وجهة نظرنا في البداية... هذا إلى جانب أن اختلاف الأمثال وتناقضها قد يخلفه القدم بالنسبة لمثل والحداثة لآخر نقيضه أو العكس أيضا.

إن المثل يقطع بأفضلية ابنة العم ويصل في ذلك إلى درجة الإلزام صلة الدم على عكس الغريبة التي هي بحاجة إلى تدليل فابنة العم عليها أن تحتمل قسوة ابن عمها ومرضه وفقره وجوعه وغير ذلك بحكم صلتها الدموية وتؤكد ذلك الأمثال التالية:

<<بنت العم بتصير على الحفا والجفى أما الغريبة بدها تدليل>>.

<<بنت العم بتصبر على الضيق والعازه>>

<<ابن العم بتقوم فيك لحمة بقفه>>

وعلى هذا نجد المثل يوصي أشد توصية على الزواج منها حتى <<لو كانت عورة(أوصيك بنت العم خذها يا فتى ولو أنها عورة بعين واحدة).

إنه يحتم حتمية الزواج منها حتى ولو أنها قطار الزواج عندما يقول<<عليك بالطريق ولو دارت وبنت العم ولو بارت>> حتى سواء أكانت جميلة أم لا وفي ذلك يقول المثل <<المليحة لابن العم والردية لابن عمها>> ويشجع على ذلك أيما تشجيع عندما يقول<<كبوا زيتاتكم على طحيناتكم>> وكذلك <<عليك بصاحب أبوك ولا صاحب أمك>> ويسخر المثل أشد سخرية من ذلك الذي يخجل من الزواج من ابنة عمه عندما يقول: <<اللي بستحي أو بخجل من بنت عمه ما بجيه أولاد>> إن المثل يقرر أحقيتها به وأحقيته بها... ويقدمه على ابن الخال عندما يقول <<ابن الخال مخلى وابن العم مولى>> إنه إلزام مرتبط بصلة الدم.. تلك الصلة التي تتأكد بالمثل الذي يقول<<ما بقطع في الشجرة إلى فرع منها>> بعد ذلك ترى المثل يعطي درجة ثانية في الأحقية في البنت لابن الخال بحكم صلة الرحم هذه الصلة التي تجعل يلين مع ابن أخته>> ولا تخرج الخالة عن هذا الإطار في نظر المثل... الذي يشجع على اللجوء إليها على اعتبار أنها الأم الثانية عندما يقول: إن ماتت أمك عليك بخالتك>>.

إن المثل يدرك حقيقة الصلة التي تربط من حيث الخالة بالذات بل وحتى أفضليتها على الأعمام والعمات... لأنها الأم الثانية عندما يقول <<شرس الأم بلم وشرس الأب بخم>>.

لهذه الروابط نرى المثل يفضل نسب الأقارب بغض النظر عن أي اعتبار آخر.. فالقريبة أفضل من الغريبة حتى ولو كانت القريبة مثل (الزوان) الذي يستخرج من القمح ويرمي للدجاج وكانت الغربية مثل القمح المصفى على البيدر من كل شائبة>> <<زوان القرابة ولا صليبة الغرايب>> ويلي القرابة في نظر المثل النسب .. بل حتى أنه يرى في النسب أحيانا من نسب الأقارب عندما يقول:

<<اتمنيتك نسيب ولا قرابة>> <<كون نسيب ولا تكون قريب>>.

ففي النسب صلة جديدة .. لا توجد قبلها صلة القرابة التي تعكرها مشاكل ما قبل النسب وقد تؤثر عليه والتي تؤدي إلى اللوم الشديد لأبن العم إن أساء إلى ابنة عمه مثل قولها:

<<عليش تقتلني يا ابن عمي عليش تقتلني وتسيح دمي>> وكذلك <<عليش تقتلني يا ابن الخاطية ياللي تربت أنا وأنت على باطية>> إن المثل يحذر أيما تحذير من الغرباء بدليل أنه بعد القرابة والنسب ينصح بابنة البلد ويتضح ذلك بجلاء في قوله:<<ارعى من ربيع بلادك ولو أنه قحوان>> <<قيم من طين بلادك وحط في خدادك>> أما بالنسبة للأصل والفصل فالمثل يحبذ ذات الأصل الرفيع بقوله <<عليك بالأصيل ورفقته ولو أن هدومه باليات>> كما أنه يركز على أصل البنت من جهة أمها أو خالها ومن الأمثال في هذا المجال <<عمرك ما تخذ البنت إلا تتعرف خالها>> <<شرش الأم بلم>> <<شرش الأم جرار>> حط الجرة على ثمها بتجي البنت لأمها وفي نابلس <<جر البنت من كمها تيجي على خالها أو أمها>> وفي بير زيت <<طب الجرة  على ثمها تيجي البنت على أمها>> ويؤيد المثل أن شرش الأم جرار ويبقى تأثيره حتى الجد السابع للبنت ويرى أن الأصل والفصل يعوض نقص الجمال عند المرأة عندما يقول<< اللي ما بحلينها خدودها بحلوها جدودها>>.

وسعيد الحظ في نظره المثل من يفوز بابنة سراة القوم... التي تنام إلى أن تعلو الشمس في كبد السماء.

حيث أن الأصل يبيح لها ذلك وفي ذلك يقول <<نوم السراري للضحى العالي>> والسراري سراه القوم أي عليتهم أو سادتهم, وعلى النقيض من ذلك لا يقبل إطلاقا بنسب النذل عندما يقول<<النذل لا توخذ منه ولا تعطيه>>.

وأخيرا مع أنه مازال للأصل والفصل والقرابة والنسب أثر واضح وبالذات في مجتمعنا الريفي على متسعه فإننا نشم تضاؤل ذلك تبعا للتقدم العلمي.. الذي أخذ يغير المعايير والمقاييس.. فقد أصبح الناس وبالذات المتعلمون يدركون أن تسلسل النسب واستمراريته بين الأقارب.. إلى جانب ما يجره من مشاكل وخلافات الأمر الذي جعل المثل يقول<<ابعد تحلا>> فإن التغريب في الزواج أمر ينصح به.. لضمان القوة في النسل هذا بالإضافة إلى أن الناس يحبذ ذلك.. وفي قول الرسول عليه الصلاة والسلام خير دليل<<غربوا النكاح لا تضووا>>.

وبالنسبة للأصل والفصل.. إننا نسمع اليوم بكثرة بيت الشعر الذي يقول:

لا تقل أصلى وفصلي أبدا

                          إنما أصل الفتى ما قد حصل

 

7ـ القسمة والنصيب:  

يبدو أن للبخت والنصيب في المثل الشعبي الذي يؤكد على أهميته البخت ا